للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يسمعنا وإياك بعدها صوت عزاء أحدٍ من الأعزا، ولا يحملنا ما لا طاقة لنا به من مثل هذه الأرزا، فوا الرحمن لهو الرزء الذي كل رزءٍ بالنسبة إليه أقل الأجزا.

والسلام.

وكتب إلى الإمام عبد القادر الطبري، يسأله عما يرد على كلامٍ للسبكي، ذكره في الطبقات الكبرى، في استخراج الملك العلقة التي في صدره صلى الله عليه وسلم: مولانا الإمام الذي إليه هذا الحديث يساق، الهمام الذي تشد إليه يعملات البلاغة ببدائع السياق.

فله السلف الذين تتنازل الثريا دون مقاماتهم الرفيعة، وينحط الأثير عن مكاناتهم التي هي للفخار شفيعة.

على أنه العصامي الذي به تفتخر الأبنا، وتتبختر في مطارف سؤدده الأعمام والأصنا.

فالمزني لا يباري جود مزنه، والرازي أضحى في تقديمه منتظراً فضل منة.

هدانا الله إلى سواء السبيل، وأغنانا بسلسال فوائده عن رقراق السلسبيل.

قال السبكي: سمعت الوالد يقول، وقد سئل عن العلقة السوداء التي أخرجت من قلب النبي صلى الله عليه وسلم في صغره حين شق فؤاده، وقول الملك هذا حظ الشيطان منك: إن تلك العلقة التي خلقها الله في قلوب البشر قابلةٌ لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت من قلبه صلى الله عليه وسلم، فلم يبق فيه مكانٌ قابلٌ لأن يلقي الشيطان فيه شيئاً.

قال: هذا معنى الحديث، ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظٌ قط، وإنما الذي نفاه الملك أمرٌ هو في الجبلات البشرية، فأزيل القابل، الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب.

قال: فإن قلت فلم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة، وكان الممكن أن لا يخلق فيها؟ قلت: لأنها من جملة الأجزاء الإنسانية، فخلقت تكملةً للخلق الإنساني، فلا بد منه، ونزعه أمرٌ رباني طرأ بعده.

انتهى كلام السبكي.

أقول: يعارض هذا بختانه صلى الله عليه وسلم، فخلقه تكملةٌ للخلق الإنساني، ولاشك أن بقاءه على تلك الفطرة الإنسانية، ثم إزالتها بعد ذلك، فيه تعليمٌ للخلق باتباعه.

فإن قلت: ثم فارقٌ، وهو القابل الذي تؤثر فيه الوسوسة.

قلت: الأكمل والأشرف عدم خلق القابل، كعدم خلق القلفة وسلامته من الانزعاج الذي حصل له عند شق الملك صدره الشريف صلى الله عليه وسلم، خصوصاً في سن الطفولية.

فالمسئوول خلاصكم السبكي، والخلاص من شباك سيدنا السبكي.

ولمولانا مناسبة بهذا الفن موروثة، وفي البقية دررٌ على طنافس الفضل مبثوثة.

فأجابه الطبري بما نصه: مولانا الذي يهطل بواكفٍ ترفع لتلقيه الأكف المبسوطة، ويتألق عن بارقٍ يضيء به مظلم وجه الأرض البسيطة.

ويرعد بما ينتجع إليه إذا سمع ثقةً بوعده، ويشرق بذكاء ذكاءٍ أكسبت البدر ساطع ضيائه وطالع سعده.

ويرهف سمهري القلم في كتيبة الكتابة بالمداد الأسود والأحمر، ويرعف عضب اللسان في معرك المناظرة والمناضلة فنال ما لم ينله اللدن الأسمر.

إمام البلاغة، رب الكمالات المصاغة.

دامت فرائد فوائده عقوداً للنحور، واستمرت وطفاء غيثه ممدةً للبحور.

وافي المشرف المشرف، المدبج المفوف.

فوقفت له أقدام الأفهام حيارى، وأضحت تالية: " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ".

غير أنها داوت ما ألم بها بارتشاف سلسبيله، واستضاءت بمصباحه لسلوك سواء سبيله.

فرأت بعد التكلف في التوفيق بين عبارة مولانا وبين مراده، أنه لا معارضة بما أشار إليه من ختان من منح الله تعالى الخلق بإسعافه وإسعاده.

أما أولاً، فلأنهم اختلفوا في أنه هل ولد مختوناً أو أنه ختن بعد ولادته؟ وقد قال بكلٍ من القولين طائفة: فأما على القول الثاني فلا اعتراض بالمعارضة المذكورة.

وأما على الأول فالكلام في جزءٍ من الخلقة البشرية، من الأجزاء الشريفة، التي لا تمكن الحياة بدونها في العادة، فإنها هي المكملة للخلقة في الحقيقة، وأما القلفة فهي كالأظفار والشعور، مما لا يترتب على وجوده ما يترتب على مثل العلقة المستكنة في ذلك الموضع بالنسبة إلى الحياة.

وأيضاً الكلام فيما يترتب عليه الأحكام، فإن العلقة حيث كانت محل وسوسة الشيطان في البشر، ربما يترتب عليه عدم الإيمان، عياذاً بالله، ولا كذلك القلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>