فقال: " ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ".
وقال السيد محمد كبريت، في كتابه نصر من الله وفتح قريب، في معرض كلامٍ: جرت عادة الفعال لما يريد في خلقه، أن كل بلدةٍ في الغالب تكون عوناً لغريبها، حتى على ساكنها، وعلى الخصوص المدينة المنورة.
وكان المرحوم العلامة الشيخ إبراهيم بن أبي الحرم يقول: ليس من الرأي تعظيم الوارد إلى هذه الدار، إلا بحسب ما يقتضيه الحال، فإنه بتعظيمه يطأ غيره، ثم يتمرد على معظمه، فيطأه كذلك، وتكون إساءته عليه أكثر، وعلى الخصوص من لفظته القرى، وألف النوال والقرى، وقد اتفق لي شيءٌ من ذلك فكتب إلي بعض أصحابي في خصوص هذا المعنى:
يا أهْلَ طَيْبةَ لا زالتْ شمَائلُكم ... بلُطْفِها في الوَرى مَأْمونَة الْعَتَبِ
لكنْ رِعايتُكم للغُرْبِ تحْمِلُهمْ ... على تَجاوُزِهمْ لِلْحَدِّ في الأدبِ
فكان الجواب عن ذلك بلسان الحال:
مَوْلايَ إنَّ صُروفَ الدهرِ قد حَكَمتْ ... وأعْوَزَتْ أن يَذِلَّ الرأسُ للذَّنَبِ
كم مِن مُقَبِّلِ كَفٍ لو تمكَّن مِن ... قَطْعٍ لها كان مِمَّن فازَ بالأرَبِ
الأمير أبو بكر بن علي الأحسائي أمير كلام، وصاحب نفثات أقلام.
نما في منبت النجابة، ودعا الأمل فأجابه.
تحرسه عينٌ من الله واقية، وتحفظه آثارٌ أبد الآباد باقية.
وله علمٌ وعقل، وضبطٌ لشوارد الفنون ونقل.
إلى مفخرةٍ يتوشح بردائها، ومأثرةٍ يترشح لابتدائها.
وقد فاز من الأدب بأوفر حصة، وغدت سمته به صفةً مختصة.
وله شعر تتأرج في روض المعارف زهراته، وتجتني من أغصان السطور ثمراته.
فمنه قوله، من قصيدة يمدح بها الشريف زيد بن محسن:
عَزَّتْ بِعِزِّ مَقامِك العَلْيَاءُ ... وعليك فَضّتْ عِقْدَها الْجَوزَاءُ
فالبدرُ كأسٌ والشموسُ عُقارُها ... فاشْرَبْ بكأسٍ شمسُه الصَّهْباءُ
وحَبابُها نُجُمُ السَّما فكأنَّها ... ذاتٌ وذاك بشكْلِه الأسْماءُ
وأتْك بِكراً قبَل فَضِّ خِتامِها ... يقْتادُها رَاوُوقُها وذُكاءُ
خضعْت لعِزِّك فاسْتقِمْ في عَرْشِها ... يا ظاهراً لا يعْتريِه خَفاءُ
وانْصُبْ لِوَاءَ الحمد مُنْتَشِرَ الثَّنَا ... قد ضُوِّعتْ بعَبِيرِه الأرْجاءُ
يسْعَى بظلِّ أمَانِهِ بين الورَى ... ذُو البَأْسِ والأمْجادُ والضُّعَفاءُ
فالدهرُ سَيْفُك فاتَّخِذْه مُجَرّداً ... مُتوشّحاً بالنصرِ وهْو رِدَاءُ
وعُلاكَ قد شهِد العَدُوُّ بفضْلِه ... والفضلُ ما شهدتْ به الأعْدَاءُ
وحِمَاكَ أَمْنُ الْخائفين تَؤُمُّه ... ششمُّ الأُنوفِ القادةُ الأكْفاءُ
ولقد حَظِيتَ من الإلهِ بنَظْرةٍ ... أرْدَتْ مُريد الكَيْدِ وهْو هَباءُ
وحُبِيتَ منه بما تقاعَسُ دُونَه ... هِمَمُ الملوكِ الصِّيدِ والعُظَماءُ
فالله أظْهَرَ ذا الْجَنابَ بِنَصِّه ... فالخلقُ أرضٌ والشريفُ سَماءُ
لو قيل لي مَن ذا أرَدْتَ أجَبْتُهمْ ... أوَ غَيْرَ زَيْدٍ تَمْدَحُ الشعَراءُ
وإذا أُدِير حديثه في مَحْفَلٍ ... فلِمَسْمعِي مِن طِيبِ ذاك غذاءُ
مَلِكٌ إذا وعَد الجميلَ وَفَى به ... وإذا تَوَعَّدَ شأنُه الإغْضاءُ
فبِسَعْدِه أهْدَى الزمانُ إلى الورَى ... كأساً هَنِيّاً ليس فيه عَناءُ
فالله يُبْقِي مُلْكَه السَّامي الذي ... قد كَلَّلَتْه بنُورِها الزَّهْراءُ
وكتب إلى الشيخ الإمام عيسى بن محمد الجعفري الثعالبي، نزيل مكة، مادحاً بقوله:
يا مَن سَما فوقَ السِّماكِ مَقامُهُ ... ولقد يَراك الكلُّ أنتَ إمامُهُ
حُزْتَ الفضائلَ والكمالَ بأَسْرِهِ ... وعَلَوْتَ قَدْراً فيك تمَّ نِظامُهُ
لو قيل مَن حازَ العلومَ جميعَها ... لأقول أنت المِسْكُ فيه خِتامُهُ