كم صُنْتَ مِن بكْرِ العلومِ خَرائداً ... عن غيرِ كُفْءٍ لم يجبْ إكْرامُهُ
فاعلمْ بأنِّي غيرُ كُفْءٍ لائقٍ ... إن لم يكنْ ذا الفضلُ منك تمامُهُ
ثم أتبعه بنثرٍ، صورته: لما أضاء نور المحبة في قناديل القلوب، صفت مرآة الحقيقة فظهر المطلوب.
فاتضحت الرسوم الطامسة، وبانت الطرق الدارسة.
فاكتحلت عين القريحة، فسالت في نهر النطق، فأثمرت بالمسطور، وهو المقدور.
وأما المقام فهو أعلى من ذلك وأجل، وليس يدري ذلك إلا من وهل.
وأما العبد فهو مقرٌّ أنه قد قصرت به الركائب عن بلوغ ذلك، وأعاقته عقبات الأسباب عن سلوك هذه المسالك.
لكن حيث إن ثياب الستر من فضلكم على أمثاله مسبولة، فيرجو أن يهيىء الله له في ضمن الامتثال مطلوبه ومأموله.
فأجابه بقوله:
لِلّهِ دَرُّك يا فريد مَحامِدٍ ... أربَى على البدرِ التّمامِ تمامُهُ
قد صُغتَ من سِرِّ البراعةِ مُفْرَداً ... فاق الفرائدَ نَثْرُه ونظامُهُ
وكَسَوْتَه من جَزْلِ لفظِك سابِغاً ... وُشِيتْ بكلِّ لَطيفةٍ أكْمامُهُ
وجَلَوتَه يخْتالُ تِيهاً آمِناً ... مِن أن يُشابَه في الوجودِ قَوامُهُ
أعْرَبْتَ فيه عن اعْتقادٍ خالصٍ ... ومَكِين وُدٍ أُحْكِمتْ أحْكامهُ
وصَبَوْت ذا شُكْرٍ بِبثِّ قصيدةٍ ... وبفَصِّ خاتمه العَلِي أسْوامُهُ
أهْلاً به فَرْداً أتى من مُفْرَدٍ ... وحَبَا به ضيفاً يجلُّ مقامُهُ
حَتْما عليَّ ولازماً تبْجِيلُه ... فَوْراً وحَقّاً واجباً إكْرامهُ
لكنْ على قَدْري فلستُ بكُفءِ مَن ... وَطِئتْ على هامِ العلَى أقْدامهُ
وإليكَها عَذْرَا على مَهَلٍ أتَتْ ... خَجْلَى لمْحتدِك العزيز مَرامُه
فاصْفَحْ بفضلِك عن صَحِيفةِ نَقْصِها ... فالفضلُ مُؤتمٌّ وأنت إمامُهُ
واسْحَبْ رداءَ المجدِ غير مُدافعٍ ... فلأنتَ عُنْصُرُه وأنت خِتامهُ
ثم أتبعه بنثر، صورته: هذه دام جدك في صعود، ومجدك في سعود عجرفةٌ أبرزها فاتر الفكر الأعرج، وقاصر الذهن البهرج.
تتعثر في مروط الخجل والوجل، وتتعارض لما بها من الخطأ والخطل.
أتت سوح حضرتك الرحراحة الأرجا، وأملت أن تفوز من كمال صفحك عن زيفها بتحقق الرجا.
فقابل إقبالها بالقبول والإغضا، وألحظها غير مأمورٍ بعين التقريب والرضا.
فإنك مأوى الفضل ومخيمه، ومفتتحه ومختتمه.
ولولا نافذ أمرك المطاع، وواجب تعظيمك المتمكن في الأفئدة والأسماع؛ لما تراءى لراءٍ عجرها ولا بجرها، ولا بان لسامع خبرها ولا مخبرها.
ولكن عند الأكابر تلتمس وجوه المعاذير، ولدى أعيان الأفاضل يرتجى الصفح عن التقصير.
والسلام.
أحمد بن محمد مكي فاضلٌ توقد ذكاه، وتألق شهابه وذكاه.
فبزغ واضح الغرة والجبين، ورفع عمود الصبح المبين.
وكسي نصاحة الفصاحة، وتفتق عن رونق البشر والصباحة.
فلله براعةً ملك، وطريق إجادةٍ سلك.
قرت بها عيون أودائه، وملئت غيظاً صدور أعدائه.
وكان للقلوب فيه ظنٌّ جميل، وللمعالي رجاءٌ وتاميل.
إلا أن الأيام لم تفسح له مدى، فاقتطفت زهرة حياته في باكورتها يد الردى.
وقد أثبت من بواكير طبعه المطبوع، ما يدل على نبله دلالة الماء على نظافة الينبوع.
فمن ذلك هذه الأبيات، كتب بها إلى الأستاذ زين العابدين الصديقي:
لُؤْلُؤُ الثَّغْرِ المُنَضَّدْ ... فيه جِريْالٌ مُبَرَّدْ
بَسمَتْ عنه ثَنايَا ... رَشأٍ أحْوَى وأغْيَدْ
أم رياضٌ عِقْدُ دُرِّ الْ ... مُزْنِ فيها قد تَبدَّدْ
أم نجومٌ مُزْهِراتٌ ... مِن سَناها النُّورُ يُوقَدْ
أم نَسِيمُ الصبح أبْدَى ... طَيِّب النَّشْرِ من الوَرْد
لا ولكنْ ذا قَرِيضٌ ... لإمامٍ قد تفَرَّدْ
سيِّدٍ حَبْرٍ هُمامٍ ... أوْحَدٍ من نَسْلِ أَوْحَدْ
مَن له حَالٌ وقَالٌ ... بِهِما الساداتُ تشْهدْ