قوله: في لحظة صدر الأبيات من قول بعضهم:
كلُّ السيوفِ قَوَاطعٌ إن جُرِّدتْ ... وحُسامُ لَحْظِك قاطعٌ في غِمْدِهِ
وقوله: يا ذا الذي إلى آخر الأبيات الثلاثة، هو معنى بيتي صردر:
زار الخَيالُ بَخيلاً مثل مُرْسِلِهِ ... فما شَفانِيَ منه الضَّمُّ والْقُبَلُ
ما زارنِي قطُّ إلاَّ كيْ يُعاتِبني ... عَلَى الرُّقادِ فيُفْنِيه ويَرْتحِلُ
وهو مسبوقٌ إليه أيضاً، في قول بعضهم:
طيفُ خَيالِ هَاجِرِي ... ألَمَّ بي فما وَقَفْ
عاتَبَنِي على الْكَرَى ... ثُمَّ نَفَاهُ وانْصَرَفْ
قلت: وهو إن تجارى مع غيره في ميدان تلك التحاسين، ف " قل هو الله أحدٌ " شريفة وليست من رجال " يس ".
محمد الحموي نزيل القاهرة هو بين العلماء صاحب وجاهة، تستعير أولو الأخطار لدى الأزمة همته وجاهه.
لين المهتصر والعود، أملس العرض مصقول شبا الوعود.
تصدر تصدر الجهبذ النحرير، وأغنى الطلاب بما أبداه على المغنى من التقرير والتحرير، فأصبح الكل من أهل الإفادة، يتقربون إليه بالتلمذ والاستفادة.
وكان فرد العلم في عصره، لا بل العلم الفرد بين مشايخ مصره.
مع ذاتٍ بهية مطبوعة، وأداة فواكهها الحموية غير مقطوعة ولا ممنوعة.
وقد أوردت له ما يبتهج ابتهاج الربيع ببرده، ويروق روق الريق في حلاوته وبرده.
فمنه قوله، من قصيدة أولها:
أوُجُوهُ غِيدٍ أم حِسانُ رُبوعِ ... وعيونُ آرامٍ تَزِيدُ وُلوعِي
أم نَشْرُ زَهْرٍ ضاعَ فامْتلأَ الرُّبَى ... عِطْراً عَبِيراً أم رياضُ ربيعِ
والماءُ قد صَقَل النَّسِيمُ مُتُونَهُ ... أم في جَداوِلِه مُتونُ دُروعِ
والطَّلُّ قد زانَ الشَّقِيقَ بلُؤْلُؤٍ ... أم وَجْنةٌ مَطْلولةٌ بدُموعِ
والقُضْبُ مِن لُطْفِ النسيمِ تَمايَلَتْ ... خَجَلاً فأبْدَتْ ذِلَّتِي وخُضوعِي
والبدرُ أشرقَ في ثَنِيَّاتِ الدُّجَى ... سَهَراً وبُرْدُ الليلِ في تَوْشِيعِ
سَفَرَ اللِّثَامَ فَلاح في وَجنَاتِه ... وَرْدُ الخدودِ فحارَ فيه بَدِيعِي
سَاجِي اللَّواحِظِ فاتِكٌ بجُفونِه ... ذو خِبْرةٍ في صَنْعةِ التَّقْطيعِ
ما نَمَّ مِسْكُ عِذارِه في خَدِّه ... إلاَّ لِيُظْهِر عُذْرَ كلِّ خَلِيعِ
والثَّغْرُ قد حازَ العُذَيْبَ وبَارِقاً ... وجَوَاهِراً للدُّرِّ غيرَ مُضِيعِ
يا قلبُ خَلِّ هَوى الحسانِ وخَلِّنِي ... مِن ذِكْرِ أحْبابٍ وذكرِ رُبوعِ
واقْطَعْ أقاويلَ الْوُشاةِ فقَطْعُها ... سَبَبٌ لِوُصْلةِ حَبْلِنا المقْطوعِ
ومن دره المكنون، بديعيةٌ على قافية النون، مستهلها:
هَجْرِي عليَّ ولِي وَصْلٌ بأحْيَانِي ... أمَاتنِي الهَجْرُ جاءَ الوَصْلُ أحْيانِي
قوله: أماتني من قول ابن الفصيح، صاحب السراجية في الفرائض:
زارَ الحبيبُ فَحَيَّى ... بِحُسْنِ ذاك الْمُحَيَّا
مِن صَدِّه كنتُ مَيْتاً ... مِن وَصْلِه عُدْتُ حَيَّا
السيد أحمد الحموي جميع السادة منه في المنزلة، منزلة الكتاب من البسملة.
وهو في المجد متعادل الوصفين، وفي السؤدد متكافىء الطرفين.
صحيح المنتسب من القدم، فضلٌ كله من الفرق إلى القدم.
فأصله عريقٌ وطبعه شريف، وروضه وريقٌ وظله وريف.
تملا من لطفه، وسال الوقار على عطفه.
فكأنما أخلاقه رضعت در النعيم، فجاءت والحمد لله كالصحة في جسم السقيم.
فتدرج على درج النجح بأرجاء الرجا، وابتهج بمطلعه السعد المتألق بلألاء اللألا.
مطوياً على نشر الكرم الفائق المستفيض، متبلجاً بأضواء المكارم الغر وأنوار الأيادي البيض.
فألسنة الثناء بفضله منطلقة، وأيدي الرجاء بحبله معتلقة.
وهو في ظلٍ من الأمن مديد، ورأيٍ بحل المشكلات سديد.
فكم من فضلٍ افاد، وأدبٍ أحياه وقد باد.
وله في الأدب ومضافاته، رتبةٌ يعرف مقدارها من مؤلفاته فيه ومصنفاته.