للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا نسوِّدها بالطِّيب قلت لهم ... الطِّيب من غيره أحرى بجونته

وكنت أظن أن وصف الطابع ليس بالموجود في شعر المتقدمين، حتى رأيته في شعر فخر الدولة أبي المعالي، من شعراء الخريدة، حيث قال في غلام اسمه يوسف:

أيا قمراً جار في حسنه ... على عاشقيه ولم ينصفِ

سمعنا بيوسف في جبِّه ... ولم نسمع الجبَّ في يوسفِ

ثم رأيت الخفاجي ذكر في كتابه شفاء الغليل: جبُّ يوسف مولَّد، معناه نقرة الذقن. وأنشد البيتين.

ثم قال: ويقال له خاتم الحسن.

وأما النقرة التي تكون في الخدين عند التبسم، فقد استعملها كشاجم في أبياته المشهورة، وهي:

هذا الذي سجد القضيب لقدِّه ... صنمٌ لعابد فتنةٍ لاهوت

في ناظريه إذا تبسَّم ضاحكاً ... سحرٌ وجوهر خدِّه ياقوت

حفر التبسُّم فيهما جُبَّين في ... ذيَّاك هاروتٌّ وذا ماروت

وأما اسمها فقد رأيت المقري ذكر في تاريخه ناقلاً عن ابن عليم، أنه قال في شرحه لأدب الكتاب لابن قتيبة: أغربت جاريةٌ لمجاهد العامري، أهداها إلى عباد - قلت: وهي العبادية، وكانت كاتبةً شاعرة - على علماء إشبيلية، بالنُّقرة التي تظهر في أذقان بعض الأحداث، وتعتري بعضهم في الخدين عند الضحك، فأما التي في الذقن فهي النونة، وأما التي في الخدين عند الضحك فهي الفحصة، فما كان في ذلك الوقت في إشبيلية من عرف منهما واحدة.

وللعمري في دخان التبغ:

مذ أحرقت نار الصَّبابة مهجتي ... وأتى العذول يسلُّ عضب لسانه

بادرت بالغليون تمويهاً له ... وسترت عنه دخانها بدخانه

ومثله للحرفوشي:

لعمرك لم أهو الدُّخان ولم أمل ... إليه لألقى نشأةً وتطرُّبا

ولكنني أخفي به عن مجالسي ... دخان فؤادٍ بالغرام تلهَّبا

وقريبٌ منه قول الفتح بن النحاس:

وأرى التَّولُّع بالدُّخان وشربه ... عوناً لكامن لوعة الأحشاء

فأديم ذلك خوف إظهار العدى ... فأشيبه بتنفُّس الصعداء

وله في تشبيه الثلج:

انظر إلى الروض الأريض وحسنه ... وموائس الأغصان مثل الخرَّدِ

والثلج فوق الصُّفر من أوراقه ... شبَّهته تشبيه غير مفنَّدِ

ببرادةٍ من فضَّةٍ مبثوثةٍ ... فوق الصَّحائف من نضار العسجدِ

ولي في هذا المعنى من مقصورة:

والثَّلج كالقطن أجاد ندفه ... قوس السَّحاب فوق حلَّة الرُّبى

كأنَّه برادة الأفلاك من ... كثرة دورها بقبَّة السَّما

وله في وصف جواد:

ربَّ طرفٍ من العتاق كريمٍ ... يسبق البرق حالة الإيماض

لو جرى والجنوب في الجوِّ تسري ... علَّم الرِّيح كيف قطع الأراضي

أو سرى مع دعاء آصَفَ بالعر ... ش لكان البشير بالأغراض

وله مثله:

طرفٌّ يفوت الطَّرف في لمحاته ... سبقاً ويهزأ بالظَّليم النَّافر

بالبرق يظفر إن أراد لحاقه ... والبرق ليس إذا أراد بظافر

وكأنه آلى ولم يك حانثاً ... أن لا يمسَّ الأرض منه بحافر

وهذا من قول خلف الأحمر في صفة جواد:

وكأنما جهدت قوائمه ... أن لا تمسَّ الأرض أربعة

وزاد عليه شمس الدولة بن عبدان في قوله:

أبت الحوافر أن يمسَّ بها الثَّرى ... فكأنَّه في جريه ومتعلِّق

وهذا الباب مما بالغت فيه الشعراء كل المبالغة، فمن ذلك قول ابن نباتة السعدي:

لا تعلق الألحاظ من أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه

وقول ابن حمديس الصقلي:

يجري فلمع البرق في آثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق

ويكاد يخرج سرعةً من ظلِّه ... لو كان يرغب في فراق رفيق

وقد جمع ابن حجاج في مرثية فرس له فأوعى، ودعا فرسان البلاغة فأجابته طوعاً، حيث قال:

قال له البرق وقالت له الرِّ ... يح جميعاً وهما ما هما

أأنت تجري معنا قال لا ... إن شئت أضحكتكما منكما

<<  <  ج: ص:  >  >>