للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لستَ الملومَ أنا الملومُ لأنَّني ... أنزلتُ آمالِي بغيرِ الخالِقِ

وله:

عشِقَ المعشوقُ ظبْياً مثلهُ ... واعتراهُ في هواهُ ولَهُ

كانَ معشوقاً فأمسى عاشِقاً ... فقضى الحبُّ عليهِ ولَهُ

وله:

بي أغيدٌ تشخصُ الأبصارُ حينَ بدَا ... في طلعةٍ جَلَّ من بالحسنِ عدَّلها

كأنَّما الحسنُ لمَّا زانَ صورتَهُ ... قدْ قال للحسنِ كنْ وجهاً فكانَ لهَا

ورأيت بخطه، وقد نسبه إلى نفسه:

في أزرقِ الملبوسِ مرَّ مُعذِّبي ... متمايِلاً كالغُصنِ في خيْلائِهِ

ورقى دُخَانُ التَّبْغِ غشَّى وجههُ ... من فيهِ مثلَ الغيْمِ يومَ شِتاتِهِ

وكأنَّهُ لمَّا بدا من شرقِهِ ... بدرٌ تبدَّى في أديمِ سمائِهِ

سترَ الجمالَ عن العُيونِ مخَافَةً ... أن لا تكونَ النَّاسُ من قُتَلائِهِ

مثله لبعضهم:

ولمَّا بدَا في أزرَقٍ من قِبائِهِ ... يَتِيهُ لِفرطِ الحُسنِ في خُيَلائِهِ

خلعتُ عِذارِي ثمَّ صِحْتُ عواذِلي ... قِفوا وانظُروا بدرَ الدُّجى في سَمائِهِ

قلت: وفي لون السماء للأدباء اختيارات، وذلك بحسب حالاتٍ واعتبارات،؛ فبعضهم يصفه بالزُّرقة، كما وقع لهذين الشاعرين، وقد تبعا أبا عثمان الناجم في قوله، وقد رأى جارية وعليها ثوبٌ أزرق:

ما تعدَّتْ قَبُولُ حين تحلَّتّ ... شِبهَ زِيٍّ لوجهِها ذِي البَهاءِ

لبِستْ أزرقاً فجاءتْ بوجهٍ ... يُشبِهُ البدرَ في أديمِ السَّماءِ

وهذا مذهب القدماء، وزرقته عارضةٌ من شعاع الشمس، وهو مائل إلى البياض، كما أن العرق الأبيض إذا جرى فيه الدَّم رُئِيَ لازوردياً، فتولَّدَ من اللونين لونٌ آخر.

وبعضهم من أهل الآثار يجعله أخضر؛ لحديث: ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ أصدقَ من أبي ذَرٍّ.

وبعضهم يجعله لازورديًّا؛ كما قال أبو حفص بن برد، في غلام بدا له في ثوبٍ لازورديٍّ:

لمَّا بدَا في لازورْ ... دِيِّ الحريرِ وقد بهَرْ

أكبرتُ من فَرطِ الجما ... لِ وقلتُ ما هذا بَشَرْ

فأجابني لا تُنْكِرَنْ ... ثوبَ السَّماءِ على القمرْ

وبعضهم يجعله بنفسجيًّا، كما قال ابن المعتز في غلام عليه ديباج حرميّ:

وبنفسجِيّ اللَّونِ قتْ ... لُ مُحِبِّهِ من رائِه

الآن صِرْتَ البدرَ إذ ... أُلبسْتَ لونَ سمائِه

أبو بكر العصفوري باهر السمت في النظم والنثر، طائر الصيت في الآفاق بقادمتي النسر.

للمعاني الأبكار مخترع، ولبنات الأفكار مفترع.

وكان خرج من عشه وهو صغير السن، لكنه إذا قدح زنده بالبراعة يرن.

ومن أمثالهم: الديك الفصيح، من البيضة يصيح.

فحلَّ بمصر وأفياء الكرم مساقطه، وحبُّ القلوب ملاقطه.

وأقام يصدح في سرحة المجد، ويفصح في ناديها بلسان الوجد.

وتنصب حبالة الولا، فتقتنصه أشراك العُلى، ولا تضمه إلا أقفاص النُّبلا.

وقد أبدى من أشعاره التي تطرب ترنُّماً ولحنا، وإذا تليت في محفلٍ تضم عليها الجوانح وتحنى.

ما هو لصدور البزاة ينسب، ومن أرقاب الحمام في البذرقة يحسب.

وثمة ألفاظ استعار الروض منها أصناف الملح، وخطوطٌ كأنما فيها لمن يبصر من ريش الطواويس لمح.

وله موشحاتٌ إذا أنشدت كأنما أدار الكأس مديرها، وجاوب المثانيَ والمثالث بَمُّها وزئيرها.

وأغانٍ لم تتنحنح بأمثالها الحناجر، ولم تتقلب لأشباهها الخناصر والبناصر.

وكنت أتمنى لقياه، لأتملى بطلعة محياه.

فصادته قبل وصولي إلى مصر خطاطيف المنون، فعرَّس بفِناء الفنا، وخلَّد عرائس الفنون.

وهذه قطعة من تحائف خاطره، تستدل منها على غائبه بحاضره.

فمنها مقصورته التي بها امتدح الأستاذ محمد البكري.

ومطلعها:

عيذتْ بك الدُّنيا وعيدَ لكَ الهنا ... واعتدتِ الحِسنى وعُدَّ لك المُنى

عجباً لمن نظرَ الهلالَ وما رأى ... أن الهلالَ إذا بدوتَ له بدا

<<  <  ج: ص:  >  >>