للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شغفاً بطلعتك التي قسماتُها ... مهما تبدَّتْ تنكسِفْ شمسُ الضُّحى

وبغرَّةٍ قمريَّةٍ في طرَّةٍ ... سَبَجيَّةٍ كالبدر في غسقِ الدجى

ما البدرُ ما الشَّمسُ المنيرةُ ما الضُّحى ... ما الظبيُ ما الرشأُ الشُّويدنُ ما الطَّلا

غسقٌ على شفقٍ على قمرٍ على ... فننٍ على دِعصٍ على قدٍّ علا

مثل الغزالةِ في السماءِ وفي الفلا ... فَهُما وأنتَ إذا اعتبرتَ سوا سوا

أرأيتَ راتعةَ الفلا أرأيتَ آ ... لِفةَ العَرا أرأيت شاردة المها

وبصبح وجهٍ إن تبسَّم ثغرهُ ... يبدو الصباحُ ويحمدُ القوم السُّرى

يا قاتلي من غيرِ ما ذنبٍ ألا ... تدنو فتبصرَ ما لقيتُ من النَّوى

قلبي تمزَّقَ فيكَ كلَّ ممزَّقٍ ... أسمعتَ ما قالوه في أيدي سبا

ألِفَ الضَّنى جسمي فلو فارقْته ... لفنيتُ من أسفٍ على فقدِ الضَّنى

وتعوَّدتْ عيني السُّهادَ فلو غفتْ ... لرأت خيالَ السُّهدِ في سنَةِ الكَرى

وألِفتُ سمعَ العذلِ حتَّى لو صغتْ ... أذني لغيرِ العذلِ شقَّيْتُ القبا

وعلمتُ أنَّ الصَّبرَ مرٌّ طعمهُ ... لكنني عانيتهُ حلوَ الجنى

ونعمتُ بالضِّدَّينِ حتى استقطرتْ ... عينايَ ماءَ الدَّمعِ من جمرِ الغضا

وسهامُ جفنكَ بعدما ريَّشتها ... بغِشا الكُلى وسقيتها بدمِ الحشا

هيهاتَ تحسِنُ نزعها من بعدما ... نبتتْ وأطلعَ غصنها ثمر الهوى

ووحقِّ أشواقي لوجهكَ إنَّ لي ... زفراتِ وجدٍ لا أروم لها انقِضا

وجوًى تودُّ حشاشتي لو أنَّه ... كان انطفا ويسوؤها مهما انطفا

وشفاءُ سقمي في لماكَ وليتهُ ... يشفي غليلي بردُ ذيَّاكَ اللَّمى

ويزيدني قربي إليك حرارةً ... كالنُّوقِ في البيداءِ يقتلُها الظَّما

يا سلًّم الله المحبة إنها ... نعشتْ فؤاداً سلَّمتهُ إلى الجوى

يا قاتلي وأنا الفداءُ لقاتلٍ ... أبداً بغير حديثهِ لا يُشتفى

العينُ بعدكَ ما غفتْ والطَّرفُ بع ... دكَ ما سها والدَّمعُ بعدك ما رقا

لله جفنٌ تحت وعدِكَ ساهرٌ ... أملاً يشوبُ المرسلاتِ بهل أتى

حافظْ على صِدقِ العهودِ فإنه ... مما يدلُّ على المودَّةِ والصَّفا

أتشكُّ أن الصدقَ ينفع أهلَه ... أولستَ تعرف غيرَ صحبِ المصطفى

ويستحسن له قوله:

في الاشتقاقِ وفي التَّدبيجِ قد نظموا ... بيتاً له من بديع الحُسنِ لألاءُ

الحُسنُ أحمرُ والتَّحسين أصفر والْ ... إحسانُ أخضر والحسناءُ بيضاءُ

وقوله:

ليس بِدعاً عتابُ خيرِ البرايا ... إنما يعتِب الحبيبُ الحبيبا

بل عجيبٌ تقديمُه العفوَ قبل العَ ... تْبِ حِرصاً عليه أن يسْتريبا

أصل هذا ما ذكره أصحاب السِّير، أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ميت مسجًّى، فكشف عن وجهه الشريف، وقبل بين عينيه، وقال: فديتُ من أقسم الله بتراب قدمه، فقال: " لا أقسم بهذا البلد، وأنت حلٌّ بهذا البلد "، فديت من قدم الله له العفو قبل العتب، فقال: " عفى الله عنك لم أذنت لهم ".

ومن موشحاته التي أحكم فيها المناسبة والصنعة، قوله:

أخمِدْ بريقِكَ ما أذكيتَ من وهَجِ ... فما تركتَ فؤاداً فيك غير شجِ

وارحم حشاشةَ صبٍّ فيك قد قُتِلتْ ... ما بينَ معتركِ الأحداقِ والمهجِ

وعلِّلِ القلبَ بالتَّمنِّي ... أو فاقتُلِ الصبَّ بالتَّجنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>