أُفدِّيه معسولاً قوتَ قلبي تطفُّلاً ... وألتاذُ بالأقدامِ منه تلطُّفَا
بِسورِ عقيقٍ صان لؤلؤَ ثغرِه ... ومدَّ عليهِ بالزَّبرجَدِ رفرفَا
أقام عليه حَيَّةَ الشَّعر حارساً ... وزرفْنَهُ بالصُّدغِ كنزاً مكلَّفَا
أُعدِّد أشجاني إليه إذا صحا ... وأُسهِر أجفاني عليه إذا غفَا
وأُوقظه أن لا يسوءَ مِزاجُه ... فأحسَب أني قد هززتُ مُثقَّفا
نظرتٌ إليه نظرةً فتلهَّفتْ ... عليه حشاً لا تستطيعُ تلَهُّفَا
فصعَّد ما لو قابل الدمعَ ما طفَا ... وقطَّر ما لو سامتَ الوجدَ لانْطفَا
فقِستُ بدُرِّ الدَّمعِ لُؤلؤَ تغرِه ... فلم أدرِ أيًّا كان أصفَى وأصلفَا
ولم أرَ بدراً قبلَه ظلَّ كاملاً ... ولا شمسَ حُسنٍ قبله لن تُّكسَّفا
وله وهو مما يُستعذَب:
سألته في ثغرِه قبلةً ... فقال ما أبردَ هذا السُّؤالْ
ما مرَّ غلا وحلا وصلُهُ ... لو كانَ من يسمحُ لي بالوِصالْ
عطَّلني من وصلِه بالجفَا ... والحمدُ لله على كلِّ حالْ
ابن نباتة المصري:
حَلُّوا بعقدِ الحسنِ أجيادهمْ ... وحاوَلوا صبرِيَ حتَّى استحالْ
فآهِ من عاطلِ صبرٍ مضَى ... والحمدُ لله على كلِّ حالْ
وله في ساقي قهوة:
ساقٍ يفوقُ السُّقاةَ كلَّهمُ ... بالأدبِ السَّابريِّ والحِكمهْ
يبيتُ يسقيكَ من لطافتهِ ... في جامدِ النُّورِ ذائبَ الظُّلمةْ
وله من قصيدة مدح بها ابن الحسام المفتي، وكلها غرر؛ فلذا أثبتُّها برمتها:
نِظامُ سلوك القطْر في إبَرِ المُزْنِ ... تخيطُ قميصَ النَّهرِ من ورقِ الغصنِ
وقدحُ زنادِ الرَّعدِ في راحةِ الصَّبا ... يؤجِّجُ نارَ البرقِ في فحمةِ الدَّجنِ
ورشفُ رُضابِ الطَّلِّ من أكؤسِ الرُّبَى ... يُرنِّحُ عِطفَ الغصنِ لا قرقفُ الدَّنِّ
وتزريرُ حبيبِ الشَّمسِ يؤذنُ بالحيا ... لما قامَ غصنُ البانِ منحسِرَ الرُّدنِ
وخطُّ عِذارِ النَّهرِ أشكلَ رسمُهُ ... فأعربتِ الورقاءُ عنهُ بلا لَحنِ
وتنكيسُ رأس الغصنِ في الرَّوضِ مشعرٌ ... بإصغائهِ مستملياً كلما تعني
وتقطيبُ ثغرِ الزَّهرِ يضحكُ بالندى ... كما ضحكتْ تلكَ الطيورُ بلا سنِّي
وقد نُصبتْ للنَّوءِ في الجوِّ خيمةٌ ... تكنَّفتِ الأقطارَ من ناصعِ القطنِ
وهبْ صباً أحيتْ مواتاُ من الربى ... كأن هبَّ إسرافيلُ ينفخُ في القرنِ
إذا سلَّ سيفُ البرقِ من جفنِ مزنةٍ ... أسالَ دموعَ القطرِ من ذلك الجفنِ
ودونَ عُقاب الجوِّ إن عنَّ ضوءُهُ ... أطار غرابَ اللَّيلِ عن سحبٍ دكنِ
تخالُ عنانَ اللَّوحِ بحراً ملجَّجاً ... على متنه تلكَ السَّحائبُ كالسُّفنِ
وللنَّوءِ قوسٌ أوترِ الجوَّ متنهُ ... نبالَ سناً ريشتْ بأجنحةِ المزنِ
موشَّى الحنايا دبَّجتهُ شياتهُ ... كما دبَّجَ الطَّاووس قادمهُ المحني
كان قد أتى فصلُ الرَّبيع تخالهُ ... أصالةَ معنًى رامهُ رائقُ الذِّهنِ
كأن قد تهادى الغصنُ في عذباتهِ ... كما اهتزَّ تحتَ الخزِّ قامةُ ذي حسنِ
وإلا كما اهتزَّتْ يراعةُ سيِّدي ... بما أثمرتْ بالمنِّ والأمنِ واليمنِ
عمادُ ذوي الفُتيا وعصمةُ أهلها ... وحصنهمُ أكرمْ بذلك من حصنِ
له السُّمعةُ الحسناءُ في المدنِ والقرى ... ومعدلةُ القسطاسِ في الإنسِ والجنِّ
إذا ظنَّ منه الرفدَ يوماً مؤمِّلٌ ... أبا كرماً أن يبدل الظَّنِّ بالظَّنِّ
جزاني جزاهُ الله خيرَ جزائهِ ... وبوَّأهُ قصوى مكارمهِ عنِّي