وعلمني نظمَ الأناشيدِ فضلهُ ... وقد كانَ شعري قبلُ أبردَ من صِنِّ
وإنِّي مهما غبتُ عنه لمجهدٌ ... بإمداحِ ما تحوي مناقبهُ ذهني
أواصِل ذِكراهُ مساءً وغدوةً ... وشكرُ الَّذي أسدى إليَّ من المنِّ
مثابتهُ أمني ومثواهُ كعبتِي ... وفي بابِه حجِّي وعقونُهُ رُكنِي
ومن أنا يستدعِيهِ بالكُتبِ مثلُهُ ... أجلْ هذه واللهِ فاتِحةُ اليُمنِ
أطعْتُ ولكنِّي اشتغلْتُ وأينَ لي ... ويقبُحُ من مثلِي أطعْتُ ولكنِّي
وهل أنا إلا عبدُهُ القِنُّ أقتضِي ... جميع الَّذي يقتضِيهِ في عبدِه القِنِّ
وقد جِئتُه من بعدِ لأيٍ مهنِّياً ... به رمضانَ العامِ تهنَئةَ المُثنِي
أزُفُّ إلى عليائِه كلَّ غادةٍ ... تجوسُ حِمى الآذانِ منه بلا إذنِ
تقيهِ من البأساءِ في الدِّينِ والعُلا ... وفي النَّفسِ والأهلينَ والمالِ والإبنِ
دُعاءٌ إذا ظُنَّ القبولُ فإنَّني ... أحقِّقُ أنَّ اللهَ يقبلُهُ منِّي
ومن إنشائه ما كتبه لبعض الأدباء بدمشق، جواباً عن كتاب: المحبة وما أدراكْ، والعلاقة وياما هناكْ.
إلطافٌ كله ألطاف، وإتحافٌ فضله غير خافْ، وقطافٌ جناها لطافٌ، ونطاف تمرِع المرابع والمصطاف.
تطلق من لسان الألكن، وتغلق مقول المصقعْ الألسنْ.
وتلين العريكة، وتهين ذي الأريكة الوريكة.
وتذهب بذي الطِّباع السَّليمة، إلى طمأنينةٍ خليقة وسلالةٍ شكيمة.
والحُبُّ أوَّلُ ما يكونُ لجاجَةً ... فإذا تمكَّنَ صارَ شغلاً شاغِلا
شمسٌ لها مطلعان، وسهمٌ له موقعان، وجهةٌ لها قبلتان، وقضيَّةٌ لها نتيجتان، عقدُها لازمٌ من الطَّرفين.
والمجد روضه مريع، ودهره ربيع.
ورده صاف، أشتى أو صافْ.
ليله كلُّه سحرْ، وغسقه جميعه قمرْ.
عيشه عيش السلاطينْ، وطيشه طيش الشياطينْ.
وأنينه أنين الشَّاكين الباكين، وحنينه حنين المتباكين المساكينْ.
ليس لمسكينِ الهوَى راحِمٌ ... ولا لمقتولِ الهوَى من يدِي
وهو والملك سوا، لولا النَّوى.
وهو والعروش سيَّان، لولا اللَّيانْ.
ينقضي دهره في أين وأنَّى، وكيف وعسى، وحتى ومتى، ولو ولولا، وأيَّان وبينا.
وبينا تفِي بالوعدِ أهلكُ إنَّ لي ... فؤاداً عَجولاً والوِصالُ على مهلِ
وقته هنَا، بتساويف المُنى.
ويومه عيدٌ، بأمانِيِّ المواعيد.
إن برقتْ بارقة، ظنَّها وارِقة.
أو خفقتْ خافقة، خالِها صادِقة.
وإن صبَّ صبا، مالَ وصبَا.
وإن ساجعٌ عنَّ حنَّ، وإن عنَّى مغنٍ اهتزَّ وارجحَنْ.
كمَا انتفضَ العُصفورُ بلَّلهُ القطرُ
ويلمِّه، ما أهمِّهْ.
ويا عولةَ أبيهِ، ما أكثر تغابيهِ.
يرقبُ سهيلا في اللَّيل، ويعثر للويل بالذَّيل.
يأخذ الوصال بالمثاقيل، ويعطي درَّ دمعه بالمكيل.
وهو إذا جاد باكي العيون، مجنونٌ كالجواد المعيون.
مشغوفٌ، كالبعير المأنوف.
إن تهدَّد هاد، وإن ردَّ أراد، ومتى قيد انقاد، وأيَّا ما ارتدَّ راد وارتاد.
فلا معين فيه إلا به، ولا مفرَّ منه إلا إليه.
وكيما تكون تطبُّعاً أو طِباعاً، تكون نظراً أو سماعاً.
فالنَّظرية، دارتُها قمريَّة.
والسَّماعيَّة، دائِرتها طَماعيَّة.
ومن لي بأن ينقلب السَّمعُ نظراً، كما تحوَّل الخُبرُ خبراً.
وقد ورد أعزَّك الله كتابك البعيد الوصف، البديع الرصف.
ففضضتُ صدفةً وثيقةً عن درٍّ مكنون، وحظيتُ منه أبكارَ عرائس منتقبةً كالجوهر المصون.
وشفيت الغليل من ميماتِ ثغوره، وصاداتِ عيونه.
وسرَّحتُ طِرفَ طَرفي في رياضه، وأوردتُ عقيلة عقلي في زلال حياضه.
وجست خلاله، وتفيأتُ ظلاله، وأكثرت إكرامه وإجلاله.
حتى لاحت لي غرَّة الدُّرة، وشمت مخِيلة الخميلة، ولمعت بارقة الشَّارقة.
فيا لك من درٍّ يكال ويتَّزن، ومن حسن ألفاظٍ يزان ولا يزن.
فحفظ الله من نظَّم سلكه وأحسن تألفه، وأبقى ملكته التي وطَّدت في الآداب ملكه، ورحم من خلفه.