للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّنْ كَانَ يَرْوِي بِالْمَعْنَى مِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَحْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الْأَوَّلِينَ، فَكَثِيرًا مَا كَانُوا يَنْقُلُونَ مَعْنًى وَاحِدًا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ مُعَوَّلَهُمْ كَانَ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ. انْتَهَى.

وَلِانْتِشَارِهِ أَجَابَ مَالِكٌ مَنْ سَأَلَهُ لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنِ النَّاسِ وَقَدْ أَدْرَكْتَهُمْ مُتَوَافِرِينَ؟ بِقَوْلِهِ: لَا أَكْتُبُ إِلَّا عَنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ. وَكَذَا تَخْصِيصُهُ تَرْكُ الْأَخْذِ عَمَّنْ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ بِكَوْنِهِ كَانَ قَبْلَ أَنْ تُدَوَّنَ الْكُتُبُ وَالْحَدِيثُ فِي الصُّدُورِ ; لِأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَخْلِطَ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ.

فِيهِ إِشَارَةٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَدِّثُونَ عَلَى الْمَعَانِي، وَإِلَّا فَلَوْ حَفِظَهُ لَفْظًا لَمَا أَنْكَرَهُ، وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِيمَنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِلَفْظِ الْمُحَدِّثِ كَوْنَهُ عَاقِلًا لِمَا يُحِيلُ مَعْنَاهُ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَسَاوِيًا لَهُ فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» ) . فَلَا يَجُوزُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْإِكْرَاهِ. وَإِنْ كَانَ هُوَ مَعْنَاهُ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَذْكُرْهُ كَذَلِكَ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ فَيَكِلَ اسْتِنْبَاطَهُ لِلْعُلَمَاءِ.

ثُمَّ جَعَلَا مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَجَزَمَا بِالْجَوَازِ فِيهِمَا، وَمَثَّلَا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ: ( «اقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ» ) فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمَا، وَالنَّهْيَ بِقَوْلِهِ: ( «لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>