تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» ) فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: نَهَى عَنْ كَذَا وَكَذَا. لِأَنَّ " افْعَلْ " أَمْرٌ، وَ " لَا تَفْعَلْ " نَهْيٌ.
وَنَازَعَهُمَا الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ لَفْظَ " افْعَلْ " لِلْوُجُوبِ، وَ " لَا تَفْعَلْ لِلتَّحْرِيمِ "، بِخِلَافِ لَفْظِ الْأَمْرِ وَلَفْظِ النَّهْيِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذِ " افْعَلْ " وَ " لَا تَفْعَلْ " حَقِيقَةً عِبَارَةٌ عَنْهُمَا. وَكَذَا عَلَيْهِ - كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ - الْمُبَالَغَةُ فِي التَّوَقِّي وَالتَّحَرِّي خَوْفًا مِنْ إِحَالَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْحُكْمُ.
وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ لَهُ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى مُطْلَقًا. قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. حَتَّى إِنَّ بَعْضَ مَنْ ذَهَبَ لِهَذَا شَدَّدَ فِيهِ أَكْثَرَ التَّشْدِيدِ، فَلَمْ يُجِزْ تَقْدِيمَ كَلِمَةٍ عَلَى كَلِمَةٍ، وَحَرْفٍ عَلَى آخَرَ، وَلَا إِبْدَالَ حَرْفٍ بِآخَرَ، وَلَا زِيَادَةَ حَرْفٍ وَلَا حَذْفَهُ، فَضْلًا عَنْ أَكْثَرَ، وَلَا تَخْفِيفَ ثَقِيلٍ، وَلَا تَثْقِيلَ خَفِيفٍ، وَلَا رَفْعَ مَنْصُوبٍ، وَلَا نَصْبَ مَجْرُورٍ أَوْ مَرْفُوعٍ، وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلِ اقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى اللَّفْظِ وَلَوْ خَالَفَ اللُّغَةَ الْفَصِيحَةَ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ لَحْنًا، كَمَا بَيَّنَ تَفْصِيلَ هَذَا كُلِّهِ الْخَطِيبُ فِي (الْكِفَايَةِ) مِمَّا سَيَأْتِي بَعْضُهُ فِي كُلٍّ مِنَ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَالسَّادِسِ وَالْعَاشِرِ قَرِيبًا، لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الدُّخُولِ فِي الْوَعِيدِ حَيْثُ عَزَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظًا لَمْ يَقُلْهُ، وَلِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَ لَهُ الْكَلِمُ اخْتِصَارًا.
وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ بِأَقْصَى غَايَةٍ لَيْسَ مِثْلَهُ، بَلْ قَدْ يَظُنُّ تَوْفِيَةَ اللَّفْظِ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا عُهِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute