للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رأى الأندلسي اليأس منها ألقى نفسه من شاهق فأبهت الملك وأمر أن يتلقى فقدر أنه لم يصب بشيء وجيء به إلى الملك، فقال الله أكبر قد ظهر الحكم في ذلك، ثم قال للمشتري قد رأيت ما فعل هذا من حبها فإن كنت تحبها كما تقول فافعل كفعله فإن عشت فأنت أحق بها، فقال أفعل ثم هم بذلك ورجع فأمر أن يلقي غصباً، فلما حقق ذلك قال أعطيته إياها فأخذت منه وأعيدت إلى مالكها.

وحكى أن المأمون افتتن بجارية من جواري أبيه الرشيد، وكان يكتم أمره وكانت من خواص الخدمة، فبينا هي يوماً تصب على يديه وقد التفت إذ أشار لها المأمون بقبلة فغمزته مشيرة بحاجبها إلى أنها خائفة ففترت بصب الماء ففطن الرشيد فحلف إن لم تخبره ليفتكن بها، فأعلمته فنظر إلى المأمون وقد كاد أن يقضي من الخوف فضمه وسكن ما به ثم قال له أتحبها؟ قال نعم. قال قم فاختلي بها في هذه الخلوة ففعل، فلما خرج قال له أنشد في هذه فأنشد:

ظبي كنيت بطرفي ... عن الضمير إليه

قبلته من بعيد ... فاعتل من شفتيه

وردّ أخبث ردّ ... بالكسر من حاجبيه

فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه

وحكى أن إبراهيم بن المهدي زمن اختفائه من المأمون مكث عند عمه عليه بنت المنصور، وكان عندها جارية قد أحسنت تأديبها وتعليمها حتى صارت من الطف أهل زمنها فوكلتها بخدمة إبراهيم فعلقها وزاد به الوجد وهو يكتمه حياء حتى سكر يوماً فغنى:

يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه

والذي أجللت خد ... يه فقبلت يديه

بأبى وجهك ما ... أكثر حسادي عليه

أنا ضيف وجزاء ... الضيف إحسان إليه

ففطنت للطفها بما أراد فأخبرت مولاتها فوهبتها له، فلما رآها مقبلة أعاد الصوت فقبلت رأسه فنهاها فأخبرته أنها له فقرت عينه.

وحكى أن رجلاً مكياً كان عنده جارية وكانت على أحسن صورة، وألطف هيئة قد كملت فوق حسنها بالبراعة بالغناء والضرب، حتى أن الناس كانوا يقصدون الحج لينظروا إليها لأنه كان لا يخرجها إلا زمن الموسم يطلب فيها الزيادة.

وأنه كان بمكة فتى ناسك قد عرف عند الناس بالعبادة فوقع عنده من حب الجاريه ما غير حاله وهيج بلبابه وانحل بدنه وأهاج شجنه، فكان يقنع في كل سنة بالنظر إليها زمن الموسم، ثم يمكث باقي السنة عليلاً في بيته. فدخل عليه صديق له فعاين من حاله ما حير قلبه، وأطار لبه، فتلطف به حتى عرف أمره، وما هو عليه من أمر الجارية.

ورغب إليه أن لا يفشي سره، فخرج حتى اجتمع بمولاها فحدثه القصة فزينها وخرج بها كيوم الموسم، فلما اجتمع الناس، قال أشهدكم أني وهبت هذه الجارية لهذا الفتى، فقيل له كيف تفعل هذا وقد بذل لك فيها الأموال. قال دعوني إني أحييت كل من على الأرض، لأن الله يقول: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ".

وحكى عن الحرث بن سليمان، قال كنا بمجلس سليمان بن عبد الملك، فأتاه سعيد بن خالد فقال له أنا شاك إليك من ظلمني وانتقص حرمتي. قال من قال موسى شهوات، قال علي به فاحضر، فقال له أنت شتمت هذا؟ قال لا وأيد الله أمير المؤمنين إنما مدحت ابن عمه فاغتاظ، فقال سليمان وعلام مدحته. قال موسى يا أمير المؤمنين عشقت جاريه حتى كادت نفسي تتلف في حبها ولم أكن أقدر على ثمنها فشكوت حالي إلى أصدقائي فلم يجبني أحد فشكوت إليه فاستمهلني ثلاثاً وأتيته وهو جالس فقال لغلام عنده، أخرج الوديعة فإذا بالجارية، فقال هذه طلبتك. قلت نعم، فقال تسلمها ثم قال للغلام أخرج ما عندي من النفقة فأخرجها فإذا هي مائة دينار فصرها مع طيب في ملحفة ودفع الكل إلي، فقال سليمان وما قلت فيه فأنشد:

أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد

ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو ابويه خالد بن أسيد

عقيد الندى ما عاش يرضى به الن ... دى فإن مات لم يرض الندى بعقيد

دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن إحسانكم برقود

<<  <   >  >>