للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأحضره سليمان وقال أحق ما يقول عنك موسى، قال قد كان ذلك. فقال كم عليك من الديون؟ قال ثلاثون ألفاً. قال هي لك ومثلها وثلث مثلها قال موسى فلقيته صبيحة اليوم فقلت كم عندك من المال قال والله لم يبق منه شيء. قلت ففيم أنفقته؟ قال في تفريج عن صديق واعطاء محتاج وصلة رحم.

وحكى عن الربيع، قال سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول اشتريت جارية وكنت أحبها فأقول لها:

ومن السعادة أن تحب ... وأن يحبك من تحبه

ومن الشقاوة أن تحب ... ولا يحبك من تحبه

فتقول:

ويصدّ عنك بوجهه ... وتلح أنت فلا تغبه

وحكى عن إبراهيم بن ميمون، قال حججت فإذا أنا بسوداء قائمة ساهية فأنكرت حالها فمكثت ساعة ثم أنشدت:

أعمر وعلام تجنبتني ... أخذت فؤادي وعذبتكم

فلو كنت يا عمرو وأخبر ... تني أخذت حذاري فما نلتني

فقلت لها ومن عمرو؟ قالت زوجي أوهمني أنه يحبني حتى تزوجه، وعندي من الحب له ما عنده لي، فتركني ومضى إلى جدة. فقلت له لك أن أجمع بينكما؟ قالت ومن لي بذاك، فمضيت حتى وقفت بالساحل فصرت أنادي من يخرج من المركب يا عمرو وكانت قد وصفته لي بأنه أحسن ما أرى فإذا أنا بفتى على ما وصفت فأنشدته الشعر فقال قد رأيتها. قلت فما يمنعك منها؟ قال والله عندي أضعاف ما عندها وإنما منعني الاكتساب. قلت فكم يكفيك في كل سنة؟ قال ثلثمائة درهم فأعطيته ثلاثة آلاف درهم، وقلت هذه بعشر سنين، فإذا فنيت أو قاربت فاتني أوجه إليه بمثلها، ثم جمعت بينهما فكان أعظم عندي من الحج.

وحكى أن بعض التجار قدم لأصدقائه طعاماً وفيه ديك، وقال ابن الجوزي سكباج وأبى أن يكأل معهم فامتنعوا لأجله، فقال كلوا فلولا أذى يلحقني منها لأكلت ثم عاود نفسه، وقال أتحمل وآكل.

فلما فرغو وجيء بالغسول غسل يديه أربعين، فقالوا له أبك وسواس؟ قال لا، ولكن هذا الأذى الذي قلت لكم وله حديث عجيب قالوا وما هو؟ قال أوصاني أبي وكان من ذوي النعم ولا وارث له غيري أن أحسن الانفاق والتكسب وأن أسبق إلى السوق وأتجر فيه فحفظت ما قال. فبينا أنا يوماً في السوق سحراً، وقد عرفني الناس بذلك فكان ربما يأتي ذو حاجة في وقت لا يجد غيري فأقضيها فاكتسبت بذلك مالاً وجاهاً.

فبينا أنا يوماً جالس إذا بامرأة على حمار وخادم يمسكه فنزلت عندي، فرحبت بها فرأيت نغمة وشكلاً بهرني، فقلت ماذا تريدين؟ قالت ثياباً صفتها كذا. فقلت إجلسي حتى يتكامل الناس وقد أذهبت عقلي وأطارت لي، فجمعت لها ثياباً بخمسة آلاف درهم، فأخذتها وانصرفت ولم تعطني شيئاً ولم أفق من دهشتي أن أقول لها في ذلك، ووقع عندي أنها محتالة. فقلت أبيع ما عندي وأعطي الناس وألزم بيتي.

فمضى على ذلك أسبوع، فبينا أنا جالس إذ أقبلت على العادة فقمت وأجلستها ونسيت ما كان عندي. فقالت قد أبطأنا عليك، فقلت رفع الله قدرك عن هذا فأخرجت المال جميعه فأعطيته لأربابه مع ما ربحت في ذلك ثم طلبت ثياباً بألف دينار فأخذها ومضت، فعاودني ما مضى فأبطأت فقلت والله هذه حيلة أوفت خمسة آلاف درهم وأخذت ألف دينار، ثم طالت غيبتها شهراً وطالبني الناس فعزمت على بيع عقاري وما لي أو قال بعت وأوفيت، وإذا هي قد أتت على العادة ونزلت عندي فأنسيت ذلك فأخرجت المال جميعه وطلبت غيره.

فشاغلتها بإحضار التجار. فقالت هل لك زوجة، قلت لا والله وطمعت فيها فأخذت خادمها على خلوة وأرغبته في أن يكلمها فضحك وقال هي والله أعشق منك لها فرجعت وكلمتها في ذلك فضحكت وقالت الخادم يأتيك برسالتي.

ومضت ولم تأخذ شيئاً إذ لم يكن بها حاجة من الأصل إلا العشق، فما كان بعد أيام حتى جاء الخادم فأكرمته وشرح لي أنها مملوكة لأم المقتدر، وقد رغبت في جعلها قهرمانة. فلما تألفت بك مضت فشكت إليها حبك ورغبت إليها أن تزوجها بك، فأبت دون أن تراك وقد أخذوا في حيلة يدخلونك بها إليها فإن تمت تم أمرك وهي أن تجلس الليلة بمسجد كذا فمضيت إلية، فما كان السحر أقبل خدام ومعهم صناديق فوضعوها وإذا أنا بالخادم والجارية فأدخلوني في صندوق منها وجعلوا في الباقي ثياباً وحملوها إلى الدار فكلما جاروا بطبقة من البوابين يريدون أن يفتشوا ذلك فتمنعهم، حتى عارض خادم وقال لا بد من تفتيش هذا الصندوق.

<<  <   >  >>