للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرفع رأسه وقال من أنت حياك الله فقلت له نوفل أخبرني ما صنعت بعدي فأنشد إلا حجبت ليلى الأبيات ثم أخذ يفاوضني فيا لكلام حتى سنح له قطيع ظباء فطفق يعدو حتى اختلط بها وفارقته فلم أره بعد قلت وفي النزهة أنه تطلبه مرة أخرى غير هذه فوجده بين حجرين ميتاً فأخذه ودفنه وسيجيء ذكر ما رأى له من الأشعار منقوشاً في التراب أورده آخر القصة على النمط السابق في غيره ومر برجلين قد اصطادا ظبية وربطاها فعزم عليهما أن يطلقاها فأبيا عليه فأطلقها بشاة من غنمة وأنشد:

شريت بكبش شبه ليلى ولو أبوا ... لأعطيت مالي من طريف وتالد

فيا بائعي شبهاً ليلى قتلتما ... وجنبتما ما ناله كل عايد

فلو كنتما حرين ما بعتما فتى ... شبيهاً لليلى بيعة المتزايد

واعتقتماها رغبة في ثوابها ... ولم ترغبا في ناقص غير زائد

وقيل إن الرجلين أخوه وابن عمه وأنه أنشدهما متعرضاً لبخلهما:

يا أخوي اللذين اليوم قد أخذا ... شبهاً لليلى بحبل ثم غلاها

إني أرى اليوم في أعطاف شاتكما ... مشابهاً أشبهت ليلى فحلاها

وأنه عرض عليهما اقتل حين أبيا افلاتها لأنه كان أجلد منهما وفي رواية فداها بقلوص ولما ذهبت تعدو وأنشد أيا شبه ليلى الأبيات وزاد هنا.

فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولكن عظم الساق منك رقيق

وقد وردت هذه الرواية من طرق كثيرة وفي إحداها يا صاحبي اللذان وهو أسلم من الزحاف هذا ما تلخص من صحيح أخباره وأما ما قيل من أنه مر بزوج ليلى وهو في حي بني عامر عند ابن عم له يصطلي فوقف على رأسه وأنشد:

بربك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها

وهل زفت عليك قرون ليلى ... زفيف الأقحوانة في نداها

فقال أما إذ حلقتني فنعم فصرح المجنون وقبض الجمر بكلتا يديه وسقط مغشياً عليه فأكل الجمر لحم راحتيه وقام زوج ليلى مغموماً. وما قيل أيضاً من أن أبا المجنون طرقه ضيوف ليلاً فأرسله إلى أبي ليلى ليقترض منه سمناً فأمرها أبوها أن تخرج إليه بنحى فتملأ وعاءه فجعلت تسكب فيه ويتحاثان حتى غرقت أرجلهما.

وأنه جاء ليلة أخرى يستقبسها ناراً فخرجت إليه بقضبة فكان يتحدث معها ويقطع من برد عليه يغلف به النار، وكلما احترقت قطعة أخذ أخرى حتى صار عرياناً فلم يصح اسناده عندنا كصحة غيره ومثل ذلك ما قيل من أن جنونه كان مجازاة لقوله قضاها لغيري أو لسماع هاتف أنشده:

كلانا مغرم في حب ليلى ... بفيّ وفيك من ليلى التراب

فاختلط عقله، وأما حال موته فالصحيح ما قدمناه وقيل أن رجلاً شامياً كان مغرماً بأشعاره وأشعار قيس بن ذريح قدم للاجتماع به أو الرجل من بني جعدة أو مرة أو هو الصباح بن عامر الكفاني. أقوال فسأل أهله عنه فأخبروه أنه متوحش من الأنس إلا صديقاً له يذهب إليه في كل يوم يكتب ما يقول من الأشعار وداية تذهب إليه بطعام فمضى إليهما يسألهما الحيلة في الاجتماع عليه فقالا له أقصده في موضع كذا فستجده جالساً عند خط حوله التراب وهو يعبث بأصابعه فيه فإذا رآك أخذ الأحجار وهم بضربك فاصرف بصرك عنه وأطل الجلوس ثم أنشد ما يحضرك من شعر قيس فإنه مغرم به فإذا فعلت بلغت ما تريد منه فمضى الرجل يقتفي أثره حتى وجده على ما وصف فلما أنس به قال رحم الله قيساً حيث يقول:

نبيت ونضحي كل يوم وليلة ... على منهج تبكي عليه القبائل

قتيل للبنى صدع الحب قلبه ... وفي الحب شغل للمحبين شاغل

فقال أنا والله أشعر منه حيث أقول:

سلبت عظامي لحمها فتركتها ... معرّقة تضحى إليه وتضجر

وأخليتها من منحها وكأنها ... قوارير في أجوافها الريح تصفر

إذا سمعت ذكر الفراق تقطعت ... علائقها مما تخاف وتحذر

خذي بيدي ثم انهضي بي تبيني ... بي الضر إلا أنني أتستر

ثم انساب يعدو وفارقته فلما كان اليوم الثاني جئت على العادة وأنشدت قول قيس:

تبادر أم تروح غداً رداحاً ... ولن يستطيع مرتهن براحا

سقيم لا يصاب له دواء ... أصاب الحب مقلته فباحا

<<  <   >  >>