للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعذبه الهوى حتى براه ... كما القيت بالسفن القداحا

فكاد يذيقه جرع المنايا ... ولو أسقاه ذلك لاستراحا

فقال أشعر منه حيث أقول:

فما وجد مغلوب بصنعاء موثق ... لساقيه من ثقل الحديد كبول

قليل الموالي مستهام مروّع ... له بعد نومات العشاء عويل

يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غداً ومسلم فقتيل

بأعظم مني روعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل

ثم فعل فعلته بالأمس وعاودته فقلت أحسن والله قيس حيث يقول:

ألا يا غراب البين ويحك أنبني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير

فإن أنت لم تخبر بشيء علمته ... فلا طرت إلا والجناح كسير

ودرت بأعداء حبيبك بينهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور

وفي رواية ابن الأعرابي.

ألا يا غراب البين هل أنت مخبري ... بخير كما خبرت بالنأي والشر

وخبرت أن قد جد بين وقربوا ... جمالاً للبنى مثقلات من العذر

وهجت فدى عين للبنى مريضة ... إذا ذكرت فاضت مدامعها تجري

وقلت لداك الدهر ما زال فاجعاً ... صدقت وهل شيء بباق على الدهر

فقال له المجنون أحسن والله ولكي أشعر منه حيث أقول. كان القلب البيتين فأمهلته حتى فرغ. ثم قلت وأحسن قيس أيضاً حيث يقول. وأني لمفن دمع عيني بالبكا.

الأبيات السابقة في قصة قيس قال فبكى حتى ظننت أنه فاضت نفسه ثم قال أحسن والله وأنا أشعر منه حيث أقول.

وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح

تناءيت عني حين لالى حيلة ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح

قال ولم أزل أعاوده أكتب ما يقول إلى أن تطلبته فوجدته بين أحجار ميتاً وفي رواية أن هذا الرجل لم يجتمع به. وأخرى رآه ميتاً محمولاً قد دلت عليه دايته وأنه لم يكتب أشعاراً إلا من عند صديقه المقدم ذكره بالجملة فمحل الاجماع أنه وجد ميتاً فاحتمل وغسل ودفن وحضر جنازته جميع بني جعدة وسعد والحريش وحضر أبو ليلى فأظهر جزعاً شديداً وتنصل واعتذر بأنه لم يعلم أن أمره يقضي إلى هذه الحالة ولو يعلم لاحتمل العار وزوجه، ولما غسل وجدوا الرقعة مكتوباً فيها.

ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى ... شقيت لا هنئت من عيشك الخفضا

شقيت كما أشقيتني وتركتني ... أهيم مع الهلاك لا أطعم الغمضا

كأن فؤادي في مخاليب طائر ... إذ أذكرت ليلى يشد به قبضا

كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... على فما تزداد طولاً ولا عرضا

وقيل أن ليلى توفيت قبله وأنه سمع هاتفاً يقول.

أمنعية بالموت ليلى ولم تمت ... كأنك عمد أظلك غافل

فسقط ميتاً وهذا أمر يتعذر الوصول إلى تحقيقه وله أشعار كثيرة بلا أسباب من محاسنها قوله:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكنا

ومنها:

تقول العدا لا بارك الله في العدا ... تقاصر عن ليلى ورثت رسائله

ولو أصبحت ليلى تدب على العصا ... لكان هوى ليلى جديداً أوائله

ومنها:

فلو تلتقي في الموت روحي وروحها ... ومن بين رمسينا من الأرض منكب

لظل صدى رمسي وإن كنت رمه ... لصوت صدى ليلى يهش ويطرب

قلت قال في النزهة وشتان ما بين هذا وما بين قول ثوبة في ليلى الأخيلية:

ولو أنّ ليلى الأخيلية سلمت ... عليّ ودوني جندل وصفائح

لسلمت تسلم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح

قول وفحوى الكلام أن قول المجنون أبلغ لأن تلاقي روحيي ميتين أعظم في جانب المبالغة من تلاقي حي وميت وكلام ثوبة من الثاني ويمكن نقل هذا إلى مبحت حكمي وعكس كلام صاحب النزهة فقد أجمعت الحكماء بل وأصحاب الشرع بأن استلذاذ الأرواح واداركها بعد مفارقة إليها كل الجسمية أشد وأقوى فتأمله.

ومنها:

فلو زرت بيت الله ثم رأيتها ... بأبوابه حيت استجار حماها

<<  <   >  >>