للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والأدباء

فانكب على قدم أبي إِسْحَق ليقبلها فَمَنعه من ذَلِك وضمه إِلَيْهِ

وَقَالَ سُلَيْمَان بن حسان وَكَانَ جالينوس فِي دولة نيرون قَيْصر وَهُوَ السَّادِس من القياصرة الَّذِي ملكوا رُومِية وَطَاف جالينوس الْبِلَاد وجالها وَدخل إِلَى مَدِينَة رُومِية مرَّتَيْنِ فسكنها

وغزا مَعَ ملكهَا لتدابير الجرحي

وَكَانَت لَهُ بِمَدِينَة رُومِية مجَالِس عامية خطب فِيهَا وَأظْهر من علمه بالتشريح مَا عرف بِهِ فَضله وَبَان علمه

وَذكر جالينوس فِي كِتَابه محنة الطَّبِيب الْفَاضِل مَا هَذَا حكايته قَالَ إِنِّي مُنْذُ صباي تعلمت طَرِيق الْبُرْهَان

ثمَّ إِنِّي لما ابتدأت بِعلم الطِّبّ رفضت اللَّذَّات واستخففت بِمَا فِيهِ من عرض الدُّنْيَا ورفضته حَتَّى وضعت عَن نَفسِي مؤونة البكور إِلَى أَبْوَاب النَّاس للرُّكُوب مَعَهم من مَنَازِلهمْ وانتظارهم على أَبْوَاب الْمُلُوك للانصراف مَعَهم إِلَى مَنَازِلهمْ وملازمتهم

وَلم أفن دهري واشق نَفسِي فِي هَذَا التطواف على النَّاس الَّذِي يسمونه تَسْلِيمًا

لَكِن اشغلت نَفسِي دهري كُله بأعمال الطِّبّ والروية والفكر فِيهِ

وسهرت عَامَّة ليلِي فِي تقليب الْكُنُوز الَّتِي خلفهَا القدماء لنا

فَمن قدر أَن يَقُول إِنَّه فعل مثل هَذَا الْفِعْل الَّذِي فعلت ثمَّ كَانَت مَعَه طبيعة ذكاء وَفهم سريع يُمكن مَعهَا قبُول هَذَا الْعلم الْعَظِيم فَوَاجِب أَن يوثق بِهِ قبل أَن يجرب قضاياه وَفعله فِي المرضى

وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أفضل مِمَّن لَيْسَ مَعَه مَا وَصفنَا وَلَا فعل مَا عددناه

وَبِهَذَا الطَّرِيق سَار رجل من رُؤَسَاء الكمريين عِنْد رجوعي إِلَى مَدِينَة من الْبلدَانِ الَّتِي كنت نزعت إِلَيْهَا على أَنه لم يكن تمّ لي ثَلَاثُونَ سنة إِلَى أَن ولاني علاج جَمِيع الْمَجْرُوحين من المبارزين فِي الْحَرْب

وَقد كَانَ يولي أَمرهم قبل ذَلِك رجلَانِ أَو ثَلَاثَة من الْمَشَايِخ

فَلَمَّا أَن سُئِلَ ذَلِك الرجل عَن طَرِيق المحنة الَّتِي امتحنني بهَا حَتَّى وثق بِي فولاني أَمرهم قَالَ إِنِّي رَأَيْت الْأَيَّام الَّتِي أفناها هَذَا الرجل فِي التَّعْلِيم أَكثر من الْأَيَّام الَّتِي أفناها غَيره من مَشَايِخ الْأَطِبَّاء فِي تعلم هَذَا الْعلم

وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت أُولَئِكَ يفنون أعمارهم فِيمَا لَا ينْتَفع بِهِ وَلم أر هَذَا الرجل يفني يَوْمًا وَاحِدًا وَلَا لَيْلَة من عمره فِي الْبَاطِل

وَلَا يَخْلُو فِي يَوْم من الْأَيَّام وَلَا فِي وَقت من الارتياض فِيمَا ينْتَفع بِهِ

وَقد رَأَيْنَاهُ أَيْضا فعل أفعالا قَرِيبا هِيَ أصح فِي الدّلَالَة على حذقه بِهَذِهِ الصِّنَاعَة من سنى هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخ

وَقد كنت حضرت مَجْلِسا عَاما من الْمجَالِس الَّتِي تَجْتَمِع فِيهَا النَّاس لاختبار علم الْأَطِبَّاء فَأريت من حضر أَشْيَاء كَثِيرَة من أَمر التشريح

وَأخذت حَيَوَانا فشققت بَطْنه حَتَّى أخرجت أمعاءه ودعوت من حضر من الْأَطِبَّاء إِلَى ردهَا وخياطة الْبَطن على مَا يَنْبَغِي فَلم يقدم أحد مِنْهُم على ذَلِك

وعالجناه نَحن فَظهر منا فِيهِ حذق ودربة وَسُرْعَة كف

وفجرنا أَيْضا عروقا كبارًا بالتعمد ليجري مِنْهَا الدَّم ودعونا مَشَايِخ من الْأَطِبَّاء إِلَى علاجها فَلم يُوجد عِنْدهم شَيْء

وعالجتها أَنا فَتبين لمن كَانَ لَهُ عقل مِمَّن حضر أَن الَّذِي يَنْبَغِي أَن يتَوَلَّى أَمر الْمَجْرُوحين من كَانَ مَعَه من الحذق مَا معي

فَلَمَّا ولاني ذَلِك الرجل أَمرهم وَهُوَ أول من ولاني هَذَا الْأَمر اغتبط بذلك

وَذَلِكَ أَنه لم يمت من

<<  <   >  >>