جَمِيع من ولاني أمره إِلَّا رجلَانِ فَقَط
وَقد كَانَ مَاتَ مِمَّن تولى علاجه طَبِيب كَانَ قبلي سِتَّة عشر نفسا
ثمَّ ولاني بعده أَمرهم رجل آخر من رُؤَسَاء الكمريين فَكَانَ بتوليته إيَّايَ أسعد
وَذَلِكَ أَنه لم يمت أحد مِمَّن ولانيه على أَنه قد كَانَت بهم جراحات كَثِيرَة جدا عَظِيمَة
وَإِنَّمَا قلت هَذَا لأدل كَيفَ يقدر الممتحن أَن يمْتَحن ويميز بَين الطَّبِيب الماهر وَبَين غَيره قبل أَن يجرب قَوْله وَعلمه فِي المرضى وَلَا يكون امتحانه لَهُ كَمَا يمْتَحن النَّاس الْيَوْم الْأَطِبَّاء ويقدمون مِنْهُم من ركب مَعَهم واشتغل بخدمتهم الشّغل الَّذِي لَا يُمكن مَعَه الْفَرَاغ لأعمال الطِّبّ
بل يكون تَقْدِيمه واختياره لمن كَانَ على خلاف ذَلِك وَكَانَ شغله فِي دهره كُله فِي أَعمال الطِّبّ لَا غَيرهَا
قَالَ وَإِنِّي لأعرف رجلا من أهل الْعقل والفهم قدمني من فعل وَاحِد رَآنِي فعلته وَهُوَ تشريح حَيَوَان بيّنت بِهِ بِأَيّ الْآلَات يكون الصَّوْت وَبِأَيِّ الْحَرَكَة مِنْهَا
وَكَانَ عرض لذَلِك الرجل قبل ذَلِك الْوَقْت بشهرين أَن سقط من مَوضِع عَال فتكسرت من بدنه أَعْضَاء كَثِيرَة وَبَطل عَامَّة صَوته حَتَّى صَار كَلَامه بِمَنْزِلَة السرَار
وعولجت أعضاؤه فصلحت وبرأت بعد أَيَّام كَثِيرَة وَبَقِي صَوته لَا يرجع
فَلَمَّا أَن رأى مني ذَلِك الرجل مَا رأى وثق بِي وقلدني أَمر نَفسه فابرأته فِي أَيَّام قَلَائِل لِأَنِّي عرفت الْموضع الَّذِي كَانَت الآفة فِيهِ فقصدت لَهُ
وَقَالَ وَإِنِّي لأعرف رجلا آخر سقط من دَابَّته فتهشم ثمَّ عولج فبرأ من جَمِيع مَا كَانَ ناله خلا أَن أصبعين من أَصَابِع كَفه وهما الْخِنْصر والبنصر بَقِيَتَا خدرتين زَمَانا طَويلا
وَكَانَ لَا يحس بهما كثير حس وَلَا يملك حركتهما على مَا يَنْبَغِي
وَكَانَ من ذَلِك أَيْضا شَيْء فِي الْوُسْطَى
فَجعل الْأَطِبَّاء يضعون على تِلْكَ الْأَصَابِع أدوية مُخْتَلفَة وَكلهَا لم تنجح
وَكلما وضعُوا دَوَاء انتقلوا مِنْهُ إِلَى غَيره
فَلَمَّا أَتَانِي سَأَلته عَن الْموضع الَّذِي قرع الأَرْض من بدنه فَلَمَّا قَالَ لي أَن الْموضع الَّذِي قرع مِنْهُ هُوَ مَا بَين كَتفيهِ وَكنت قد علمت من التشريح أَن مخرج الْعصبَة الَّتِي تَأتي هَاتين الأصبعين أول خرزة فِيمَا بَين الْكَتِفَيْنِ علمت أَن أصل البلية هُوَ الْموضع الَّذِي تنْبت فِيهِ تِلْكَ الْعصبَة من النخاع
فَوضعت على ذَلِك الْموضع الَّذِي تنْبت مِنْهُ تِلْكَ الْعصبَة بعض الْأَدْوِيَة الَّتِي كَانَت تُوضَع على الْأَصَابِع بعد أَن أمرت فَقلعت عَن الْأَصَابِع تِلْكَ الْأَدْوِيَة الَّتِي تُوضَع عَلَيْهَا بَاطِلا فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى برِئ وَبَقِي كل من رأى ذَلِك يتعجب من أَن مَا بَين الْكَتِفَيْنِ يعالج فتبرأ الْأَصَابِع
قَالَ وأتاني رجل آخر أَصَابَته آفَة فِي صَوته وشهوته للطعام مَعًا فابرأته بأدوية وَضَعتهَا على رقبته وَكَانَ الْعَارِض لذَلِك الرجل مَا أصف لَك كَانَ بِهِ خنازير عَظِيمَة فِي رقبته فِي كلا الْجَانِبَيْنِ فعالجه بعض المعالجين فَقطع تِلْكَ الْخَنَازِير وأورثه بِسوء احتياطته بردا فِي العصبتين المجاورتين للعرقين النابضين الشاخصين فِي الرَّقَبَة
وَهَاتَانِ العصبتان تنبتان فِي أَعْضَاء كَثِيرَة وَتَأْتِي مِنْهُمَا شُعْبَة عَظِيمَة