الْعلَّة الَّتِي لم تعرض لأحد من ولد أبي غير إِسْمَاعِيل بن مُوسَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمُحَمّد بن صَالح الْمِسْكِين
وَإِنَّمَا عرضت لمُحَمد لِأَن أمه كَانَت رُومِية وَأم أَبِيه كَانَت كَذَلِك
وَكَانَت أم إِسْمَاعِيل رُومِية
وَأَنا فَلم تلدني رُومِية فَمَا الْعلَّة عنْدك فِي عرض هَذِه الْعلَّة لي فَعلمت أَنه كَانَ حفظ عَن أمه قَول عِيسَى أبي قُرَيْش فِي الْمهْدي وَولده أَنه لَا يعرف لعقبة الفالج إِلَّا أَن يبذروا بذورهم فِي الروميات وَأَنه قد أمل أَن يكون الَّذِي بِهِ فالجا لَا عَارض الْمَوْت
فَقلت لَا أعرف لإنكارك هَذِه الْعلَّة معنى إِذْ كَانَت أمك الَّتِي قَامَت عَنْك دنباوندية ودنباوند أَشد بردا من كل أَرض الرّوم فَكَأَنَّهُ تفرج إِلَى قولي وصدقني وَأظْهر السرُور بِمَا سمع مني
ثمَّ توفّي فِي وَقت طُلُوع الْفجْر من يَوْم الْجُمُعَة لتسْع خلون من شهر رَمَضَان
قَالَ يُوسُف وحَدثني إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَن لحم عِيسَى بن جَعْفَر بن الْمَنْصُور كثر عَلَيْهِ حَتَّى كَاد أَن يَأْتِي على نَفسه
وَأَن الرشيد اغتم لذَلِك غما شَدِيدا أضرّ بِهِ فِي بدنه وَمنعه لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب وَأمر جَمِيع المتطببين بمعالجته
فكلهم دفع أَن يكون عِنْده فِي ذَلِك حِيلَة
فزادوا الرشيد غما إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ
وَأَن عِيسَى الْمَعْرُوف بِأبي قُرَيْش صَار إِلَى الرشيد سرا فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أَخَاك عِيسَى بن جَعْفَر رزق معدة صَحِيحَة وبدنا قَابلا للغذاء أحسن قبُول وَجَمِيع الْأُمُور جَارِيَة لَهُ بِمَا يحب فَلَيْسَ يتَمَنَّى شَيْئا إِلَّا تمّ لَهُ على أَكثر مِمَّا يُحِبهُ
وَقد وقِي موت أحبته وَدخُول النَّقْص فِي مَاله وَالظُّلم من نَاحيَة سُلْطَانه وَالِاسْتِقْصَاء عَلَيْهِ
والأبدان مَتى لم تختلط على أَصْحَابهَا طبائعهم وأحوالهم فتنالهم الْعِلَل فِي بعض الْأَوْقَات وَالصِّحَّة فِي بَعْضهَا والغموم فِي بَعْضهَا وَالسُّرُور فِي بَعْضهَا ورؤية المكاره فِي بَعْضهَا والمحاب فِي بَعْضهَا وَتدْخلهَا الروعة أَحْيَانًا والفرح أَحْيَانًا لم يُؤمن على صَاحبهَا التّلف
لِأَن لَحْمه يزْدَاد حَتَّى تضعف عَن حمله الْعِظَام وَحَتَّى يغمر فعل النَّفس وَتبطل قوى الدِّمَاغ والكبد
وَمَتى كَانَ هَذَا عدمت الْحَيَاة وأخوك هَذَا إِن لم تظهر موجدة عَلَيْهِ أَو تغير لَهُ أَو تقصده بِمَا ينكي قلبه من حِيَازَة مَال أَو أَخذ عَزِيز عَلَيْهِ من حرمه لم آمن عَلَيْهِ تزايد هَذَا الشَّحْم حَتَّى يتأتي على نَفسه
فَإِن أَحْبَبْت حَيَاته فافعل ذَلِك بِهِ وَإِلَّا فَلَا أَخ لَك
فَقَالَ الرشيد أَنا أعلم أَن الَّذِي ذكرت على مَا قلت
غير أَنه لَا حِيلَة عِنْدِي فِي التَّغَيُّر لَهُ أَو غمه بِشَيْء من الْأَشْيَاء فَإِن تكن عنْدك حِيلَة فِي أمره فاحتل بهَا
فَإِنِّي أكافئك عَنهُ مَتى رَأَيْت لَحْمه قد انحط بِعشْرَة آلَاف دِينَار وآخذ لَك مِنْهُ مثلهَا
فَقَالَ عِيسَى عِنْدِي حِيلَة إِلَّا أَنِّي أَتَخَوَّف أَن يعجل على عِيسَى بِالْقَتْلِ فتتلف نَفسِي
فليوجه معي أَمِير الْمُؤمنِينَ خَادِمًا جَلِيلًا من خدمه وَمَعَهُ جمَاعَة يمنعونه مني إِن أَمر بقتلي
فَفعل ذَلِك بِهِ وَسَار إِلَيْهِ فجسه وأعلمه أَنه يضْطَر إِلَى مجسة عرقه ثَلَاثَة أَيَّام قبل أَن يذكر لَهُ شَيْئا من العلاج
فَأمره عِيسَى بالانصراف وَالْعود إِلَيْهِ
فَفعل ذَلِك وَعَاد فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث
فَلَمَّا فرغ من مجسة عرقه قَالَ لَهُ إِن الْوَصِيَّة مباركة وَهِي غير مُقَدّمَة