للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا مؤخرة وَأَنا أرى للأمير أَن يعْهَد فَإِن لم يحدث حَادث قبل أَرْبَعِينَ يَوْمًا عالجته فِي ذَلِك بعلاج لَا يمْضِي بِهِ إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يخرج من علته هَذِه وَيعود بدنه إِلَى أحسن مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ

ونهض من مَجْلِسه وَقد أسكن قلب عِيسَى من الْخَوْف مَا امْتنع لَهُ من أَكثر الْغذَاء وَمنعه من النّوم فَلم يبلغ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى انحط من منطقته خمس بشيزجات واستتر عِيسَى أَبُو قُرَيْش فِي تِلْكَ الْأَيَّام عَن الرشيد خوفًا من إِعْلَام الرشيد عِيسَى بن جَعْفَر تَدْبِير عِيسَى المتطبب لإسكان الْغم قلبه فَيفْسد عَلَيْهِ تَدْبيره

فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة يَوْم الْأَرْبَعين سَار إِلَى الرشيد وأعلمه أَنه لَا يشك فِي نُقْصَان بدن عِيسَى وَسَأَلَهُ إِحْضَاره مَجْلِسه أَو الرّكُوب إِلَيْهِ فَركب إِلَيْهِ الرشيد فَدخل عَلَيْهِ وَمَعَهُ عِيسَى فَقَالَ لَهُ عِيسَى أطلق لي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قتل هَذَا الْكَافِر فقد قتلني

واحضر منطقته فشدها فِي وَسطه وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نقص هَذَا الْعَدو وَالله من بدني بِمَا ادخل عَليّ من الروع خمس بشيزجات فَسجدَ الرشيد شكرا لله وَقَالَ لَهُ يَا أخي متعت بك بِأبي عِيسَى وَكَانَ الرشيد كثيرا مَا يَقُول لَهُ بِأبي عِيسَى ردَّتْ إِلَيْك بعد الله الْحَيَاة وَنعم الْحِيلَة احتال لَك وَقد أمرت لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِينَار فأوصل إِلَيْهِ مثلهَا

فَفعل ذَلِك لَهُ وَانْصَرف المتطبب إِلَى منزله بِالْمَالِ وَلم يرجع إِلَى عِيسَى بن جَعْفَر ذَلِك الشَّحْم إِلَى أَن فَارق الدُّنْيَا

قَالَ يُوسُف وحَدثني إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي أَنه اعتل بالرقة مَعَ الرشيد عِلّة صعبة فَأمر الرشيد بحدره إِلَى والدته بِمَدِينَة السَّلَام فَكَانَ بختيشوع جد بختيشوع الَّذِي كَانَ فِي دَهْرنَا هَذَا لَا يزايله ويتولى علاجه

ثمَّ قدم الرشيد مَدِينَة السَّلَام وَمَعَهُ عِيسَى أَبُو قُرَيْش فَذكر أَن أَبَا قُرَيْش أَتَاهُ عَائِدًا فَرَأى الْعلَّة قد أذهبت لَحْمه وأذابت شحمه وأسارته إِلَى الْيَأْس من نَفسه وَكَانَ أعظم مَا عَلَيْهِ فِي علته شدَّة الْحمة

قَالَ أَبُو إِسْحَق فَقَالَ لي عِيسَى وَحقّ الْمهْدي لأعالجنك غَدا علاجا يكون بِهِ برؤك قبل خروجي من عنْدك

ثمَّ دَعَا القهرمان بعد خُرُوجه فَقَالَ لَهُ لَا تدع بِمَدِينَة السَّلَام أسمن من ثَلَاثَة فراريج كسكرية تذبحها السَّاعَة وتعلقها فِي ريشها حَتَّى آمُرك فِيهَا بأَمْري غَدَاة غَد

ثمَّ بكر إِلَيّ وَمَعَهُ ثَلَاث بطيخات رمشية قد بردهَا فِي الثَّلج ليلته كلهَا فَلَمَّا دخل عَليّ دَعَا بسكين فَقطع لي من إِحْدَاهُنَّ قِطْعَة ثمَّ قَالَ لي كل هَذِه الْقطعَة فأعلمته أَن بختيشوع كَانَ يحميني من رَائِحَة الْبِطِّيخ فَقَالَ لي لذَلِك طَالَتْ علتك فَكل فَإِنَّهُ لَا بَأْس عَلَيْك

فَأكلت الْقطعَة إلتذاذا مني لَهَا ثمَّ أَمرنِي بِالْأَكْلِ فَلم أزل آكل حَتَّى استوفيت بطيختين

ثمَّ انْتَهَت نَفسِي فَقطع من الثَّالِثَة قِطْعَة وَقَالَ جَمِيع مَا أكلت للذة فَكل هَذِه الْقطعَة للعلاج

فَأَكَلتهَا بتكره

ثمَّ قطع قِطْعَة أُخْرَى وَأَوْمَأَ إِلَى الغلمان بإحضار الطشت وَقَالَ لي كل هَذِه الْقطعَة أَيْضا

فَمَا أكلت ثلثهَا حَتَّى جَاشَتْ نَفسِي وذرعني الْقَيْء فتقيأت أَرْبَعَة أَضْعَاف مَا أكلت من الْبِطِّيخ وكل ذَلِك مرّة صفراء

ثمَّ أُغمي عَليّ بعد ذَلِك الْقَيْء وَغلب عَليّ الْعرق وَالنَّوْم إِلَى بعد صَلَاة الظّهْر فانتبهت وَمَا أَعقل جوعا وَقد كَانَت شَهْوَة الطَّعَام ممتنعة مني فدعوت بِشَيْء آكله فأحضرني الفراريج الثَّلَاثَة وَقد طبخ لي مِنْهَا

<<  <   >  >>