فَسَأَلته فَقلت مَا الْحسن فَقَالَ مَا استحسنته الْعُقُول
فَقلت ثمَّ مَاذَا قَالَ مَا استحسنته الشَّرِيعَة
قلت ثمَّ مَاذَا قَالَ مَا استحسنه الْجُمْهُور
قلت ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ لَا ثمَّ
فَكَانَ هَذَا الْمَنَام من أوكد الْأَسْبَاب فِي إِخْرَاج الْكتب فَإِن الْمَأْمُون كَانَ بَينه وَبَين ملك الرّوم مراسلات وَقد استظهر عَلَيْهِ الْمَأْمُون فَكتب إِلَى ملك الرّوم يسْأَله الْإِذْن فِي إِنْفَاذ مَا يخْتَار من الْعُلُوم الْقَدِيمَة المخزونة بِبَلَد الرّوم فَأجَاب إِلَى ذَلِك بعد امْتنَاع
فَأخْرج الْمَأْمُون لذَلِك جمَاعَة مِنْهُم الْحجَّاج ابْن مطر وَابْن البطريق وسلما صَاحب بَيت الْحِكْمَة وَغَيرهم فَأخذُوا مِمَّا وجدوا مَا اخْتَارُوا فَلَمَّا حملوه إِلَيْهِ أَمرهم بنقله فَنقل
وَقد قيل إِن يوحنا بن ماسويه مِمَّن نفذ إِلَى بلد الرّوم
وأحضر الْمَأْمُون أَيْضا حنين ابْن إِسْحَق وَكَانَ فتي السن وَأمره بِنَقْل مَا يقدر عَلَيْهِ من كتب الْحُكَمَاء اليونانيين إِلَى الْعَرَبِيّ وَإِصْلَاح مَا يَنْقُلهُ غَيره فامتثل أمره
وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَن الْمَأْمُون كَانَ يُعْطِيهِ من الذَّهَب زنة مَا يَنْقُلهُ من الْكتب إِلَى الْعَرَبِيّ مثلا بِمثل
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان المنطقي السجتاني أَن بني شَاكر وهم مُحَمَّد وَأحمد وَالْحسن كَانُوا يرْزقُونَ جمَاعَة من النقلَة مِنْهُم حنين بن إِسْحَق وحبيش بن الْحسن وثابت بن قُرَّة وَغَيرهم فِي الشَّهْر نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار للنَّقْل والملازمة
وَقَالَ حنين بن إِسْحَق أَنه سَافر إِلَى بِلَاد كَثِيرَة وَوصل إِلَى أقْصَى بِلَاد الرّوم لطلب الْكتب الَّتِي قصد نقلهَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم فِي كتاب الفهرست سَمِعت إِسْحَق بن شهرام يحدث فِي مجْلِس عَام أَن بِبَلَد الرّوم هيكلا قديم الْبناء عَلَيْهِ بَاب لم ير قطّ أعظم مِنْهُ بمصراعين من حَدِيد كَانَ اليونانيون فِي الْقَدِيم عِنْد عِبَادَتهم الْكَوَاكِب والأصنام يعظمونه وَيدعونَ فِيهِ
قَالَ فَسَأَلت ملك الرّوم أَن يَفْتَحهُ لي فَامْتنعَ من ذَلِك لِأَنَّهُ أغلق مُنْذُ وَقت تنصرت الرّوم
فَلم أزل أراسله وأسأله شفاها عَن حضوري مَجْلِسه فَتقدم بفتحه فَإِذا ذَلِك الْبَيْت من المرمر والصخور الْعِظَام ألوانا وَعَلِيهِ من الكتابات والنقوش مَا لم أسمع بِمثلِهِ كَثْرَة وحسنا
وَفِي هَذَا الهيكل من الْكتب الْقَدِيمَة مَا يحمل على عدَّة أجمال وَكثر ذَلِك حَتَّى قَالَ ألف جمل بعض ذَلِك قد أخلق وَبَعضه على حَاله وَبَعضه قد أَكلته الأرضة
قَالَ وَرَأَيْت فِيهِ من آلَات القرابين من الذَّهَب وَغَيره أَشْيَاء ظريفة
قَالَ وأغلق الْبَاب بعد خروجي وامتن عَليّ بِمَا فعل معي وَذَلِكَ كَانَ فِي أَيَّام سيف الدولة بن حمدَان وَزعم أَن الْبَيْت على ثَلَاثَة أَيَّام من الْقُسْطَنْطِينِيَّة والمجاورون لذَلِك الْبَيْت قوم من الصابئة والكلدانيين وَقد أقرتهم الرّوم على مذاهبهم وَتَأْخُذ مِنْهُم الْجِزْيَة
أَقُول وَكَانَ كَاتب حنين رجل يعرف بالأزرق
وَقد رَأَيْت أَشْيَاء كَثِيرَة من كتب جالينوس وَغَيره بِخَطِّهِ وَبَعضهَا عَلَيْهِ تنكيت بِخَط حنين بن إِسْحَق باليوناني وعَلى تِلْكَ الْكتب عَلامَة الْمَأْمُون