اليونانية إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة كتبا كَثِيرَة إِلَّا أَن جلّ عنايته كَانَت مصروفة إِلَى نقل الْكتب الْحكمِيَّة مثل كتب أرسطوطاليس وَغَيره من الْحُكَمَاء
وَأما حنين أَبوهُ فَكَانَ مهتما بِنَقْل الْكتب الطبية وخصوصا كتب جالينوس حَتَّى أَنه فِي غَالب الْأَمر لَا يُوجد شَيْء من كتب جالينوس إِلَّا وَهِي بِنَقْل حنين أَو بإصلاحه لما نقل غَيره
فَإِن رُؤِيَ شَيْء مِنْهَا وَقد تفرد بنقله غَيره من النقلَة مثل أسطاث وَابْن بكس والبطريق وَأبي سعيد عُثْمَان الدِّمَشْقِي وَغَيرهم فَإِنَّهُ لَا يعتنى بِهِ وَلَا يرغب فِيهِ كَمَا يكون بِنَقْل حنين وإصلاحه
وَإِنَّمَا ذَلِك لفصاحته وبلاغته ولمعرفته أَيْضا بآراء جالينوس ولتمهره فِيهَا
وَوجدت بعض الْكتب السِّت عشرَة لِجَالِينُوسَ وَقد نقلهَا من الرومية إِلَى السريانية سرجس المتطبب ونقلها من السريانية إِلَى الْعَرَبيَّة مُوسَى بن خَالِد الترجمان فَلَمَّا طالعتها وتأملت ألفاظها تبين لي بَين نقلهَا وَبَين السِّت عشرَة الَّتِي هِيَ نقل حنين تبَاين كثير وتفاوت بَين
وَأَيْنَ الألكن من البليغ وَالثَّرَى من الثريا
وَكَانَ حنين أَيْضا ماهرا فِي صناعَة الْكحل وَله تصانيف مَشْهُورَة بالجودة فِيهَا
وحَدثني الشيح شهَاب الدّين عبد الْحق الصّقليّ النَّحْوِيّ أَن حنين بن إِسْحَق كَانَ يشْتَغل فِي الْعَرَبيَّة مَعَ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره مِمَّن كَانُوا يشتغلون على الْخَلِيل بن أَحْمد وَهَذَا لَا يبعد فَإِنَّهُمَا كَانَا فِي وَقت وَاحِد على زمَان الْمَأْمُون
وإننا نجد فِي كَلَامه وَفِي نَقله مَا يدل على فَصَاحَته وفضله فِي الْعَرَبيَّة وَعلمه بهَا حَتَّى أَن لَهُ تصانيف فِي ذَلِك
وَقَالَ سُلَيْمَان بن حسان أَن حنينا نَهَضَ من بَغْدَاد إِلَى أَرض فَارس وَكَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد النَّحْوِيّ بِأَرْض فَارس فَلَزِمَهُ حنين حَتَّى برع فِي لِسَان الْعَرَب وَأدْخل كتاب الْعين بَغْدَاد ثمَّ اختير للتَّرْجَمَة وأؤتمن عَلَيْهَا وَكَانَ المتخير لَهُ المتَوَكل على الله
وَوضع لَهُ كتابا نحارير عَالمين بالترجمة كَانُوا يترجمون ويتصفح مَا ترجموا كاصطفن بن بسيل ومُوسَى بن خَالِد الترجمان
قَالَ وخدم حنين بالطب المتَوَكل على الله وحظي فِي أَيَّامه وَكَانَ يلبس زنارا وَتعلم لِسَان اليونانيين بالإسكندرية وَكَانَ جَلِيلًا فِي تَرْجَمته وَهُوَ الَّذِي أوضح مَعَاني كتب أبقراط وجالينوس ولخصها أحسن تَلْخِيص وكشف مَا استغلق مِنْهَا وأوضح مشكلها
وَله تواليف نافعة مثقفة بارعه
وَعمد إِلَى كتب جالينوس فاحتذى فِيهَا حَذْو الإسكندرانيين وصنعها على سَبِيل الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب فَأحْسن فِي ذَلِك
وَقَالَ حنين بن إِسْحَق عَن نَفسه أَن جَمِيع مَا قد كَانَ يملكهُ من الْكتب ذهب حَتَّى لم يبْق عِنْده مِنْهَا وَلَا كتاب وَاحِد ذكر ذَلِك فِي مقَالَته فِي فهرست كتب جالينوس
وَقَالَ أَبُو عَليّ القباني كَانَ حنين فِي كل يَوْم عِنْد نُزُوله من الرّكُوب يدْخل الْحمام فَيصب عَلَيْهِ المَاء