(فدام لي وَلَهُم مَا بِي وَمَا بهم ... وَمَات أكثرنا غيظا بِمَا يجد)
(أَنا الَّذِي يجدوني فِي صُدُورهمْ ... لَا أرتقي صعدا مِنْهَا وَلَا أرد) الْبَسِيط
وَقد قَالَ قَائِل هَذَا وَغَيره فِي مثل هَذَا مِمَّا يطول ذكره مَعَ قلت الْفَائِدَة فِيهِ وَهَذَا أَيْضا مَعَ أَن أَكْثَرهم إِذا دهمهم الْأَمر فِي مرض صَعب فَإِلَيَّ يصير حَتَّى يتَحَقَّق مَعْرفَته مني وَيَأْخُذ عني لَهُ صفة دوائه وتدبيره ويتبين الصّلاح فِيمَا أَمر بِهِ أَن يعْمل لَا مرّة وَلَا مرَارًا
وَهَذَا الَّذِي يجيئني ويقتدي برأيي هُوَ أَشد النَّاس عَليّ غيظا وَأَكْثَرهم لي ثلبا
وَلَيْسَ أزيدهم على أَن أحكم رب الْكل بيني وَبينهمْ
وَإِنَّمَا سكوتي عَنْهُم لأَنهم لَيْسَ هم وَاحِدًا وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَة بل هم سِتَّة وَخَمْسُونَ رجلا جُمْلَتهمْ من أهل الْمَذْهَب محتاجون إِلَيّ وَأَنا غير مُحْتَاج إِلَيْهِم
وَأَيْضًا فَإِن إثرتهم مَعَ كثرتهم قَوِيَّة بِخِدْمَة الْخُلَفَاء وهم أَصْحَاب المملكة وَأَنا فأضعف عَنْهُم من وَجْهَيْن أَحدهمَا وَحْدَتي وَالثَّانيَِة أَن الَّذين يعنون بِي من النَّاس محتاجون إِلَى الأَصْل الَّذِي يعْنى بأعدائي الَّذِي هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَعَ هَذَا كُله لَا أَشْكُو إِلَى أحد مَا أَنا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عَظِيما بل أبوح بشكرهم فِي المحافل وَعند الرؤساء
فَإِن قيل لي إِنَّهُم يثلبونك وينتقصون بك فِي مجَالِسهمْ ادْفَعْ ذَلِك وَأرى أَنِّي غير مُصدق شَيْء مِمَّا يُقَال لي بل أَقُول أَنا نَحن شَيْء وَاحِد تجمعنا الدّيانَة والبلدة والصناعة
فَمَا أصدق أَن مثلهم يذكر أحدا من النَّاس فضلا عني بِسوء فَإِذا سمعُوا عني مثل هَذَا القَوْل قَالُوا قد جزع وَأعْطى من نَفسه الصمَّة
وَكلما ثلبوني زِدْت فِي الشُّكْر لَهُم
وَأَنا الْآن ذَاكر هَهُنَا آخر الْآبَار الَّتِي حفروها لي سوى مَا كَانَ لي مَعَهم قَدِيما خَاصَّة مَعَ بني مُوسَى والج الينوسيين والبقراطيين فِي أَمر البهت الأول
وَهَذِه قصَّة المحنة الْأَخِيرَة الْقَرِيبَة وَهِي أَن بختيشوع بن جِبْرَائِيل المتطبب عمل على حِيلَة تمت لَهُ عَليّ وأمكنته مني إِرَادَته فِي
وَذَلِكَ أَنه اسْتعْمل قونة عَلَيْهَا صُورَة السيدة مار مَرْيَم وَفِي حجرها سيدنَا الْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة قد احتاطوا بهَا وعملها فِي غَايَة مَا يكون من الْحسن وَصِحَّة الصُّورَة بعد أَن غرم عَلَيْهَا من المَال شَيْئا كثيرا
ثمَّ حملهَا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل وَكَانَ هُوَ الْمُسْتَقْبل لَهَا من يَد الْخَادِم الْحَامِل لَهَا وَهُوَ الَّذِي وَضعهَا بَين يَدي المتَوَكل
فاستحسنها المتَوَكل جدا وَجعل بختيشوع يقبلهَا بَين يَدَيْهِ مرَارًا كَثِيرَة
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل لم تقبلهَا فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا إِذا لم أقبل صُورَة سيدة الْعَالمين فَمن أقبل فَقَالَ لَهُ المتَوَكل وكل النَّصَارَى هَكَذَا يَفْعَلُونَ فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأفضل مني لِأَنِّي أَنا قصرت حَيْثُ أَنا بَين يَديك
وَمَعَ تفضيلنا معشر النَّصَارَى فَإِنِّي أعرف رجلا فِي خدمتك وأفضالك وأرزاقك جَارِيَة عَلَيْهِ من النَّصَارَى يتهاون بهَا ويبصق عَلَيْهَا وَهُوَ زنديق ملحد لَا يقر بالوحدانية وَلَا يعرف آخِرَة يسْتَتر بالنصرانية وَهُوَ معطل مكذب بالرسل
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل من هَذَا الَّذِي هَذِه صفته فَقَالَ لَهُ حنين المترجم
فَقَالَ المتَوَكل أوجه أحضرهُ فَإِن كَانَ الْأَمر على مَا وصفت نكلت بِهِ