وخلدته المطبق مَعَ مَا أتقدم بِهِ فِي أمره من التَّضْيِيق عَلَيْهِ وتجديد الْعَذَاب
فَقَالَ أَنا أحب أَن يُؤَخر مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أَن أخرج وأقيم سَاعَة ثمَّ تَأمر بإحضاره
فَقَالَ إِنِّي أفعل ذَلِك
فَخرج بختيشوع من الدَّار وَجَاءَنِي فَقَالَ يَا أَبَا زيد أعزّك الله يَنْبَغِي أَن تعلم أَنه قد أهْدى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ قونة قد عظم عجبه بهَا وأحسبها من صور الشَّام وَقد استحسنها جدا
وَأَن نَحن تركناها عِنْده ومدحناها بَين يَدَيْهِ تولع بِنَا بهَا فِي كل وَقت
وَقَالَ هَذَا ربكُم وَأمه مصورين
وَقد قَالَ لي أَمِير الْمُؤمنِينَ انْظُر إِلَى هَذِه الصُّورَة مَا أحْسنهَا وأيش تَقول فِيهَا فَقلت لَهُ صُورَة مثلهَا يكون فِي الحمامات وَفِي البيع وَفِي الْمَوَاضِع المصورة
وَهَذَا مِمَّا لَا نبالي بِهِ وَلَا نلتفت إِلَيْهِ
فَقَالَ وَلَيْسَ هِيَ عنْدك شَيْء قلت لَا قَالَ فَإِن تكن صَادِقا فأبصق عَلَيْهَا فبصقت وَخرجت من عِنْده وَهُوَ يضْحك ويعطعط بِي
وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك ليرمي بهَا وَلَا يكثر الولع بِنَا بِسَبَبِهَا ويميزنا دَائِما
وَلَا سِيمَا أَن حرد أحد من ذَلِك فَإِن الولع يكون أَزِيد
وَالصَّوَاب أَن دَعَا بك وسألك عَن مثل مَا سَأَلَني أَن تفعل كَمَا فعلت أَنا
فَإِنِّي قد عملت على لِقَاء سَائِر من يدْخل إِلَيْهِ من أَصْحَابنَا وأتقدم إِلَيْهِم أَن يَفْعَلُوا مثل ذَلِك
فَقبلت مَا وصاني بِهِ وَجَازَت عَليّ سخريته وَانْصَرف
فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى جَاءَنِي رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ فأخذني إِلَيْهِ
فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ إِذْ القونة مَوْضُوعَة بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لي يَا حنين ترى مَا أحسن هَذِه الصُّورَة وأعجبها فَقلت وَالله إِنَّه لَكمَا ذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ فأيش تَقول فِيهَا فَقَالَ أَو لَيْسَ هِيَ صُورَة ربكُم وَأمه فَقلت معَاذ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أإن لله تَعَالَى صُورَة أَو يصور وَلَكِن هَذَا مِثَال فِي سَائِر الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الصُّور
فَقَالَ فَهَذِهِ لَا تَنْفَع وَلَا تضر
فَقلت هُوَ كَذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ فَإِن كَانَ الْأَمر على مَا ذكرت فأبصق عَلَيْهَا
فبصقت عَلَيْهَا فللوقت أَمر بحبسي
وَوجه إِلَى ثوذسيس الجاثليق فَأحْضرهُ
فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وَرَأى القونة مَوْضُوعَة بَين يَدَيْهِ وَقع عَلَيْهَا قبل أَن يَدْعُو لَهُ فأعتنقها وَلم يزل يقبلهَا ويبكي طَويلا
فَذهب الخدم ليمنعوه فَأمر بِتَرْكِهِ
فَلَمَّا قبلهَا طَويلا على تيك الْحَالة أَخذهَا بِيَدِهِ وَقَامَ قَائِما فَدَعَا لأمير الْمُؤمنِينَ وَأَطْنَبَ فِي دُعَائِهِ فَرد عَلَيْهِ وَأمره بِالْجُلُوسِ
فَجَلَسَ وَترك القونة فِي حجره
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل أَي فعل هَذَا تَأْخُذ شَيْئا كَانَ بَين يَدي وتتركه فِي حجرك عَن غير إذني فَقَالَ لَهُ الجاثليق نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا أَحَق بِهَذِهِ الَّتِي بَين يَديك
وَإِن كَانَ لأمير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ أفضل الْحُقُوق غير أَن ديانتي لم تدعني أَن أدع صُورَة ساداتي مرمية على الأَرْض وَفِي مَوضِع لَا يعرف مقدارها بل لَعَلَّه أَن يعرف لَهَا قدره لِأَن هَذِه حَقّهَا أَن تكون فِي مَوضِع يعرف فِيهِ حَقّهَا ويسرج بَين يَديهَا أفضل الأدهان من حَيْثُ لَا تطفأ قناديلها مَعَ مَا يبخر بِهِ بَين يَديهَا من أطابيب البخور فِي أَكثر الْأَوْقَات
فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فدعها فِي حجرك الْآن فَقَالَ الجاثليق إِنِّي أسأَل مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن