يدك يَد لأحد من المخلوقين
وَأَنَّك مَالك لكل مَا تريده قَادر على أَن تَفْعَلهُ أَي وَقت أردته
لَا يتهيأ لأحد من المخلوقين مَنعك مِنْهُ وَلَا لِأَن يحول بَيْنك وَبَين مَا تهواه أَي وَقت أردته
وَأَنَّك مَتى أردْت شَيْئا بلغته أَي وَقت شِئْت لَا يفوتك أَمر تريده
وَاعْلَم أَن الْغَضَب والغيظ والحرد تحدث فِي الْإِنْسَان سكرا أَشد من سكر النَّبِيذ بِكَثِير
فَكَمَا أَن الْإِنْسَان يعْمل فِي وَقت السكر من النَّبِيذ مَا لَا يعقل بِهِ وَلَا يذكرهُ إِذا صَحا ويندم عَلَيْهِ إِذا حدث بِهِ ويستحيي مِنْهُ كَذَلِك يحدث لَهُ وَقت السكر من الحرد والغيظ بل أَشد
فَلَمَّا يَبْتَدِئ بك الْغَضَب وتحس بِأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ يسكرك قبل أَن يشْتَد ويقوى ويتفاقم وَيخرج الْأَمر عَن يدك فضع فِي نَفسك أَن تُؤخر الْعقُوبَة عَلَيْهِ إِلَى غَد واثقا بِأَن مَا تُرِيدُ أَن تعمله فِي الْوَقْت لَا يفوتك عمله فِي غَد
وَقد قيل من لم يخف فوتا حلم فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك وَبت ليلتك وسكنت فورة غضبك فَإِنَّهُ لَا بُد لفورة الْغَضَب من أَن تبوخ وتسكن وَأَن تصحو من السكر الَّذِي أحدثه لَك الْغَضَب
وَقد قيل إِن أصح مَا يكون الْإِنْسَان رَأيا إِذا استدبر ليله واستقبل نَهَاره
فَإِذا صحوت من سكرك فَتَأمل الْأَمر الَّذِي أغضبك وَقدم أَمر الله عز وَجل أَولا وَالْخَوْف مِنْهُ وَترك التَّعَرُّض لسخطه وَلَا تشف غيظك بِمَا يؤثمك
فقد قيل مَا شفى غيظه من أَثم بربه
وَاذْكُر قدرَة الله عَلَيْك وَأَنَّك مُحْتَاج إِلَى رَحمته وَإِلَى أَخذه بِيَدِك فِي أَوْقَات شدائدك
وَهُوَ وَقت لَا تملك لنَفسك فِيهِ شرا وَلَا نفعا وَلَا يقدر لَك عَلَيْهِ أحد من المخلوقين وَلَا يكْشف مَا قد أظلك غَيره عز وَجل
وَاعْلَم أَن الْبشر يغلطون ويخطئون
وَأَنَّك مثلهم تغلط وتخطئ
وَإِن كَانَ لَا يَجْسُر أحد على أَن لَا يوافقك على ذَلِك
فَكَمَا تحب أَن يغْفر الله لَك كَذَلِك غَيْرك يؤمل عطفك وعفوك
وفكر بِأَيّ لَيْلَة بَات المذنب قلقا لخوفه مِنْك وَمَا يتوقعه من عُقُوبَتك ويخافه من سطوتك
واعرف مِقْدَار مَا يصل إِلَيْهِ من السرُور وَزَوَال الرعب عَنهُ بعفوك وَمِقْدَار الثَّوَاب الَّذِي يحصل لَك من ذَلِك
وَاذْكُر قَول الله تَعَالَى وليعفوا وليصحفوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم وَالله غَفُور رَحِيم
فَإِن كَانَ مَا أغضبك مِمَّا يجوز فِيهِ الْعَفو وَيَكْفِي فِيهِ العتاب والتوبيخ والعذل والتهديد مَتى وَقعت معاودة فَلَا تتجاوز ذَلِك
واعف وَاصْفَحْ فَإِنَّهُ أحسن بك وَأقرب إِلَى الله تَعَالَى
وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول وَإِن تعفوا فَهُوَ أقرب للتقوى
وَلَيْسَ يظنّ بك المذنب وَلَا غَيره أَنَّك عجزت عَن التَّقْوِيم والعقوبة وَلَا قصرت بك الْقُدْرَة
وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يحْتَمل الْعَفو عَاقَبت حِينَئِذٍ على قدر الذَّنب وَلم تتجاوزه إِلَى مَا يُوقع الدّين وَيفْسد بِهِ أَمرك ويقبح عِنْد النَّاس ذكرك
فَإِنَّمَا يشْتَد عَلَيْك تكلّف ذَلِك أول دفْعَة وثانية وثالثة
ثمَّ يصير عَادَة لَك وخلقا وسجية ويسهل عَلَيْك
فَاسْتحْسن بِحكم ذَلِك ووعد أَن يَفْعَله
وَمَا زَالَت أخلاقه تصلح ووالدي ينبهه على شَيْء شَيْء مِمَّا يُنكره مِنْهُ من أخلاقه وأفعاله ويرشده إِلَى طَرِيق إِزَالَته إِلَى أَن لانت أخلاقه وكف عَن كثير مِمَّا كَانَ يسْرع إِلَيْهِ من الْقَتْل والعقوبات الغليظة
واستحلى واستطاب
مَا كَانَ يُشِير عَلَيْهِ من اسْتِعْمَال الْعدْل والإنصاف وَرفع الظُّلم والجور ويستصوبه وَيعْمل بِهِ
فَإِنَّهُ كَانَ يبين لَهُ أَن الْعدْل أربح للسُّلْطَان من الظُّلم بِكَثِير وَأَنه يحصل لَهُ بِهِ دنيا وآخرة
وَإِن مواد الظُّلم وَإِن كثرت