الصَّقْر يروج على بني هَاشم مَالهم وَيُؤَخر مَا يصرف إِلَى نَفَقَة البيمارستان ويضيقه
فَكتب وَالِدي إِلَى ابْن الْحسن عَليّ بن عِيسَى يشكو إِلَيْهِ هَذِه الْحَال ويعرفه مَا يلْحق المرضى من الضَّرَر بذلك وقصور مَا يُقَام لَهُم من الفحم والمؤن والدثار وَغير ذَلِك عَن مِقْدَار حَاجتهم
فَوَقع على ظهر رقعته إِلَى أبي الصَّقْر توقيعا نسخته أَنْت أكرمك الله تقف على مَا ذكره وَهُوَ غلط جدا وَالْكَلَام فِيهِ مَعَك خَاصَّة فِيمَا يَقع مِنْك يلزمك وَمَا أحسبك تسلم من الْإِثْم فِيهِ
وَقد حكيت عني فِي الهاشميين قولا لست أذكرهُ
وَكَيف تصرفت الْأَحْوَال فِي زِيَادَة المَال أَو نقصانه ووفوره أَو قصوره لَا بُد من تَعْدِيل الْحَال فِيهِ بَين أَن تَأْخُذ مِنْهُ وَتجْعَل للبيمارستان قسطا بل هُوَ أَحَق بالتقديم على غَيره لضعف من يلجأ إِلَيْهِ وعظيم النَّفْع بِهِ
فعرفني أكرمك الله مَا النُّكْتَة فِي قُصُور المَال ونقصانه فِي تخلف نَفَقَة البيمارستان هَذِه الشُّهُور المتتابعة وَفِي هَذَا الْوَقْت خَاصَّة مَعَ الشتَاء واشتداد الْبرد
فاحتل بِكُل حِيلَة لما يُطلق لَهُم ويعجل حَتَّى يدفأ من فِي البيمارستان من المرضى والممرورين بالدثار وَالْكِسْوَة والفحم
ويقام لَهُم الْقُوت ويتصل لَهُم العلاج والخدمة
وأجبني بِمَا يكون مِنْك فِي ذَلِك
وأنفذ لي عملا يدلني على حجتك
وأعن بِأَمْر البيمارستان فضل عناية إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ ثَابت بن سِنَان أَنه لما كَانَ فِي أول يَوْم من الْمحرم سنة سِتّ وثلثمائة فتح وَالِدي سِنَان بن ثَابت بيمارستان السيدة الَّذِي اتَّخذهُ لَهَا بسوق يحيى
وَجلسَ فِيهِ ورتب المتطببين وَقبل المرضى
وَهُوَ كَانَ بناه على دجلة وَكَانَت النَّفَقَة عَلَيْهِ فِي كل شهر سِتّمائَة دِينَار
قَالَ وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا أَشَارَ وَالِدي على المقتدر بِاللَّه بِأَن يتَّخذ بيمارستانا ينْسب إِلَيْهِ
فَأمره باتخاذه فاتخذه لَهُ فِي بَاب الشَّام وَسَماهُ البيمارستان المقتدري
وَأنْفق عَلَيْهِ من مَاله فِي كل شهر مِائَتي دِينَار
قَالَ ثَابت بن سِنَان وَلما كَانَ فِي سنة تسع عشرَة وثلثمائة اتَّصل بالمقتدر أَن غَلطا جرى على رجل من الْعَامَّة من بعض المتطببين فَمَاتَ الرجل
فَأمر إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن بطحا بِمَنْع سَائِر المتطببين من التَّصَرُّف إِلَّا من امتحنه وَالِدي سِنَان بن ثَابت
وَكتب لَهُ رقْعَة بِخَطِّهِ بِمَا يُطلق لَهُ من الصِّنَاعَة
فصاروا إِلَى وَالِدي وأمتحنهم وَأطلق لكل وَاحِد مِنْهُم مَا يصلح أَن يتَصَرَّف فِيهِ
وَبلغ عَددهمْ فِي جَانِبي بَغْدَاد ثَمَانمِائَة رجل ونيفا وَسِتِّينَ رجلا سوى من اسْتغنى عَن محنته باشتهاره بالتقدم فِي صناعته وَسوى من كَانَ فِي خدمَة السُّلْطَان
وَقَالَ أَيْضا ثَابت بن سِنَان لما مَاتَ الراضي بِاللَّه استدعى الْأَمِير أَبُو الْحُسَيْن بِحكم وَالِدي سِنَان ابْن ثَابت وَسَأَلَهُ أَن ينحدر إِلَيْهِ إِلَى وَاسِط
وَلم يكن يطْمع فِي ذَلِك مِنْهُ فِي أَيَّام الراضي بِاللَّه لملازمته بخدمته
فانحدر إِلَيْهِ وَالِدي فَأكْرمه وَوَصله وَقَالَ لَهُ أُرِيد أَن اعْتمد عَلَيْك فِي تَدْبِير بدني وتفقده وَالنَّظَر فِي مَصَالِحه
وَفِي أَمر آخر هُوَ أهم إِلَيّ من أَمر بدني وَهُوَ أَمر أخلاقي لِثِقَتِي بعقلك وفضلك وَدينك ومحبتك
فقد غمني غَلَبَة الْغَضَب والغيظ عَليّ وإفراطهما بِي حَتَّى أخرج إِلَى مَا اندم عَلَيْهِ عِنْد سكونهما من ضرب وَقتل
وَأَنا أَسأَلك أَن تتفقد مَا أعمله
وَإِذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أَن تصدقني عَنهُ وتذكره لي وتنبهني عَلَيْهِ ثمَّ ترشدني إِلَى علاجه ليزول عني
فَقَالَ لَهُ وَالِدي السّمع وَالطَّاعَة لما أَمر بِهِ الْأَمِير
أَنا افْعَل ذَلِك وَلَكِن يستمع الْأَمِير مني بالعاجل جملَة علاج مَا أنكرهُ من نَفسه إِلَى أَن يَجِيئهُ التَّفْصِيل فِي أوقاته
إعلم أَيهَا الْأَمِير أَنَّك قد أَصبَحت وَلَيْسَ فَوق