عَن طبقتهم فَإِن الْأَمر كَمَا قَالَ أفلاطن الْفَضَائِل مرّة الْورْد حلوة الصَّدْر والرذائل حلوة الْورْد مرّة الصَّدْر
وَقد زَاد أرسطوطاليس فِي هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ إِن الرذائل لَا تكون حلوة الْورْد عِنْد ذِي فطْرَة فائقة بل يُؤْذِيه تصور قبحها أَذَى يفْسد عَلَيْهِ مَا يستلذه غَيره مِنْهَا
وَكَذَلِكَ يكون صَاحب الطَّبْع الْفَائِق قَادِرًا بِنَفسِهِ على معرفَة مَا يتوخى وَمَا يجْتَنب كالتام الصِّحَّة يَكْفِي حسه فِي تَعْرِيفه النافع والضار
فَلَا ترض لنَفسك حفظك الله إِلَّا بِمَا تعلم أَنه يُنَاسب طبقَة أمثالك
وأغلب خطرات الْهوى بعزمات الرِّجَال الرَّاشِدين واطمح بِنَفْسِك إِلَيْهَا تتركك فِي طَاعَة عقلك
فَإنَّك تسر بِنَفْسِك وتراها فِي كل يَوْم مَعَ اعْتِمَاد ذَلِك فِي رُتْبَة علية ومرقاة من سَمَاء فِي السَّعَادَة
وَكَانَت وَفَاة أَمِين الدولة بِبَغْدَاد فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَله من الْعُمر أَربع وَتسْعُونَ سنة
وَمَات نَصْرَانِيّا وَخلف نعما كَثِيرَة وأموالا جزيلة وكتبا لَا نَظِير لَهَا فِي الْجَوْدَة
فورث جَمِيع ذَلِك وَلَده وَبَقِي مُدَّة ثمَّ إِن ولد أَمِين الدولة خنق فِي دهليز دَاره الثُّلُث الأول من اللَّيْل وَأخذ مَاله ونقلت كتبه على اثْنَي عشر جملا إِلَى دَار الْمجد بن الصاحب
وَكَانَ ابْن أَمِين الدولة قد أسلم قبل مَوته
وَقيل إِنَّه كَانَ شَيخا قد ناهز الثَّمَانِينَ سنة
وَوجدت فِي أثْنَاء كتاب كتبه السَّيِّد النَّقِيب الْكَامِل بن الشريف الْجَلِيل إِلَى أَمِين الدولة بن التلميذ وَهُوَ يمتدحه فِيهِ بِهَذِهِ القصيدة
(أَمِين الدولة أسلم للأيادي ... عَليّ رغم الْمَنَاوِيّ والمعادي)
(وللمعروف تنشره إِذا مَا ... طواه تناوب النوب الشداد)
(فَأَنت الْمَرْء تلفى حِين تدعى ... جوادا بالطريف وبالتلاد)
(وصُولا للخليل على التنائي ... ودودا لَا يحول عَن الوداد)
(سديد الرَّأْي والأقوال تأبى ... نَهَاهُ أَن يمِيل عَن السداد)
(سأشكر مَا صنعت من الأيادي ... إِلَيّ على التداني والبعاد)
(وأثني وَالثنَاء عَلَيْك حق ... بِمَا أوليتني فِي كل نَادِي)
(وَهل شكري على مر اللَّيَالِي ... ينَال مدى ولائي واعتقادي)
(دعوتك وَالزَّمَان بِهِ حران ... فأمسى وهولي سهل القياد)
(أناديه فيسمعني وقدما ... تجانب لي أَصمّ عَن الْمُنَادِي)
(وَكم من منَّة لَك لَا توازي ... بِلَا من لدي وَلَا اعْتِدَاد)
(وَمن بَيْضَاء قد عمرت بقلبي ... محلك مِنْهُ فِي أقْصَى سَواد)
(أرى الأشواق نَحْوك فِي فُؤَادِي ... كَمثل النَّار فِي حجر الزِّنَاد)
(مَتى ولعت بِهِ ذكراك كَادَت ... لحر الوجد تلفظني بلادي)
(تحن ركائبي وأحن شوقا ... إِذا خطر اللِّقَاء على فُؤَادِي)