لِئَلَّا يأكلها إِنْسَان فَيَمُوت أَو حَيَوَان فيلسع إنْسَانا فيقتله فَفعلت مَا قَالَ
وَخرجت إِلَيّ فَلَمَّا عَرفتنِي ذَلِك ذهب عَليّ أَمْرِي وَدخلت إِلَى ابْني فَوَجَدته نَائِما فَقلت لَا توقظوه حَتَّى نَنْظُر مَا يكون من أمره فانتبه آخر النَّهَار وَقد عرق عرقا شَدِيدا وَهُوَ يطْلب المستحم فأنهض إِلَيْهِ فَانْدفع بَطْنه وَقَامَ من ليلته وَمن غَد أَكثر من مائَة مجْلِس فازداد يأسنا مِنْهُ وَقل الطَّعَام بعد أَن اسْتمرّ أَيَّامًا وَطلب فراريج فَأكل وَلم تزل قوته تثوب إِلَيْهِ وَقد كَانَ بَطْنه الْتَصق بظهره وَقَوي طمعنا فِي عافيته فمنعناه من التَّخْلِيط فتزايدت قوته إِلَى أَن صَار كَمَا ترى
فعجبت من ذَلِك وَذكرت أَن الْأَوَائِل قَالَت أَن المستسقي إِذا أكل من لحم حَيَّة عتيقة مزمنة لَهَا مئون سِنِين برأَ وَلَو قلت لَك إِن هَذَا علاجه لظَنَنْت إِنِّي أدافعك وَمن أَيْن نعلم كم سنوحيه إِذا وجدناها فَسكت عَنْك
أَقُول وللرازي أَمْثَال هَذَا من الحكايات أَشْيَاء كَثِيرَة جدا مِمَّا جرى لَهُ وَقد ذكرت من ذَلِك جملَة وافرة فِي كتاب حكايات الْأَطِبَّاء فِي علاجات الأدواء
وَكَانَ أَكثر مقَام الرَّازِيّ بِبِلَاد الْعَجم وَذَلِكَ لكَونهَا موطنه وموطن أَهله وأخيه وخدم بصناعة الطِّبّ الأكابر من مُلُوك الْعَجم وصنف هُنَالك كتبا كَثِيرَة فِي الطِّبّ وَغَيره وصنف كِتَابه المنصوري للمنصور بن إِسْمَاعِيل بن خاقَان صَاحب خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَكَذَلِكَ صنف كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الملوكي لعَلي ابْن صَاحب طبرستان
وَكَانَ الرَّازِيّ أَيْضا مشتغلا بالعلوم الْحكمِيَّة فائقا فِيهَا
وَله فِي ذَلِك تصانيف كَثِيرَة يسْتَدلّ بهَا على جودة مَعْرفَته وارتفاع مَنْزِلَته
وَكَانَ فِي أول أمره قد عَنى بِعلم السمياء والكمياء وَمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْفَنّ وَله تصانيف أَيْضا فِي ذَلِك
ونقلت من خطّ بلمظفر بن معرف قَالَ كَانَ الرَّازِيّ يَقُول أَنا لَا أسمي فيلسوفا إِلَّا من كَانَ قد علم صَنْعَة الكيمياء لِأَنَّهُ قد اسْتغنى عَن التكسب من أوساخ النَّاس وتنزه عَمَّا فِي أَيْديهم وَلم يحْتَج إِلَيْهِم
وحَدثني بعض الْأَطِبَّاء أَن الرَّازِيّ كَانَ قد بَاعَ لقوم من الرّوم سبائك ذهب وَسَارُوا بهَا إِلَى بِلَادهمْ ثمَّ إِنَّهُم بعد ذَلِك بسنين عدَّة وجدوها وَقد تغير لَوْنهَا بعض التَّغَيُّر وَتبين لَهُم زيفها فَجَاءُوا بهَا إِلَيْهِ وألزم يردهَا
وَقَالَ غَيره أَن الْوَزير كَانَ أَضَافَهُ الرَّازِيّ فَأكل عِنْده أَطْعِمَة لذيذة لَا يُمكن أَن يَأْكُل بأطيب مِنْهَا ثمَّ إِن الْوَزير تحيل بعد ذَلِك حَتَّى اشْترى إِحْدَى الْجَوَارِي الَّتِي تطبخ الْأَطْعِمَة عِنْد الرَّازِيّ ظنا مِنْهُ أَن تطبخ مثل ذَلِك الطَّعَام فَلَمَّا صنعت لَهُ أَطْعِمَة لم يجدهَا كَمَا وجدهَا عِنْد الرَّازِيّ
فَلَمَّا سَأَلَهَا عَن ذَلِك ذكرت لَهُ أَن الطبيخ وَاحِد بل إننا كُنَّا نجد الْقُدُور الَّتِي عِنْد الرَّازِيّ جَمِيعًا ذَهَبا وَفِضة
فَسبق إِلَى وهمه حِينَئِذٍ أَن جودة الْأَطْعِمَة إِنَّمَا هِيَ من ذَلِك وَإِن الرَّازِيّ قد حصلت لَهُ معرفَة الكيمياء
فَاسْتَحْضر الْوَزير الرَّازِيّ وَسَأَلَهُ أَن يعرفهُ مَا قد حصل لَهُ من معرفَة الكيمياء
فَلَمَّا لم يذكر لَهُ الرَّازِيّ شَيْئا من ذَلِك وَأنكر مَعْرفَته خنقه سرا بِوتْر