للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ عمره ثَلَاثًا وَخمسين سنة وَكَانَ مَوته فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَسبعين وثلثمائة

هَذَا آخر مَا ذكره أَبُو عبيد من أَحْوَال الشَّيْخ الرئيس وقبره تَحت السُّور من جَانب الْقبَّة من هَمدَان وَقيل إِنَّه نقل إِلَى أصفهان وَدفن فِي مَوضِع على بَاب كونكنبد

وَلما مَاتَ ابْن سينا من القولنج الَّذِي عرض لَهُ قَالَ فِيهِ بعض أهل زَمَانه

(رَأَيْت ابْن سينا يعادي الرِّجَال ... وبالحبس مَاتَ أخس الْمَمَات)

(فَلم يشف مَا ناله بالشفا ... وَلم ينج من مَوته بالنجاة) المتقارب

وَقَوله بِالْحَبْسِ يُرِيد انحباس الْبَطن من القولنج الَّذِي أَصَابَهُ والشفاء والنجاة يُرِيد الْكِتَابَيْنِ من تأليفه وَقصد بهما الجناس فِي الشّعْر

وَمن كَلَام الشَّيْخ الرئيس وَصِيَّة أوصى بهَا بعض أصدقائه وَهُوَ أَبُو سعيد ابْن أبي الْخَيْر الصُّوفِي قَالَ ليكن الله تَعَالَى أول فكر لَهُ وَآخره وباطن كل اعْتِبَار وَظَاهره ولتكن عين نَفسه مكحولة بِالنّظرِ إِلَيْهِ وقدمها مَوْقُوفَة على المثول بَين يَدَيْهِ مُسَافِرًا بعقله فِي الملكوت الْأَعْلَى وَمَا فِيهِ من آيَات ربه الْكُبْرَى

وَإِذا انحط إِلَى قراره فلينزه الله تَعَالَى فِي آثاره فَإِنَّهُ بَاطِن ظَاهر تجلى لكل شَيْء بِكُل شَيْء

(فَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ... تدل على أَنه وَاحِد) المتقارب

فَإِذا صَارَت هَذِه الْحَال لَهُ ملكة انطبع فِيهَا نقش الملكوت وتجلى لَهُ قدس اللاهوت فألف الْإِنْس الْأَعْلَى وذاق اللَّذَّة القصوى وَأخذ عَن نَفسه من هُوَ بهَا أولى وفاضت عَلَيْهِ السكنية وحقت عَلَيْهِ الطُّمَأْنِينَة

وتطلع إِلَى الْعَالم الْأَدْنَى اطلَاع رَاحِم لأَهله مستوهن لحيله مستخف لثقله مستحسن بِهِ لعقله مستضل لطرقه وتذكر نَفسه وَهِي بهَا لهجة وببهجتها بهجة فتعجب مِنْهَا وَمِنْهُم تعجبهم مِنْهُ وَقد ودعها وَكَانَ مَعهَا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعهَا

وليعلم أَن أفضل الحركات الصَّلَاة وأمثل السكنات الصّيام وأنفع الْبر الصَّدَقَة وأزكى السِّرّ الِاحْتِمَال وأبطل السهي المراءاة

وَلنْ تخلص النَّفس عَن الدَّرن مَا التفتت إِلَى قيل وَقَالَ ومناقشة وجدال وانفعلت بِحَال من الْأَحْوَال

وَخير الْعَمَل مَا صدر عَن خَالص نِيَّة وَخير النِّيَّة مَا ينفرج عَن جناب علم وَالْحكمَة أم الْفَضَائِل وَمَعْرِفَة الله أول الْأَوَائِل إِلَيْهِ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ}

ثمَّ يقبل على هَذِه النَّفس المزينة بكمالها الذاتي فيحرسها عَن التلطخ بِمَا يشينها من الهيئآت الانقيادية للنفوس الموادية الَّتِي إِذا بقيت فِي النُّفُوس المزينة كَانَ حَالهَا عِنْد الِانْفِصَال كحالها عِنْد الِاتِّصَال إِذْ جوهرها غير مشاوب وَلَا مخالط وَإِنَّمَا يدنسها هَيْئَة الانقياد لتِلْك الصواحب بل يفيدها هيآت الِاسْتِيلَاء والسياسة والاستعلاء والرياسة

وَكَذَلِكَ يهجر الْكَذِب قولا وتخيلا حَتَّى تحدث للنَّفس هَيْئَة صدوقة فَتصدق الأحلام والرؤيا

وَأما اللَّذَّات فيستعملها على إصْلَاح الطبيعة وإبقاء الشَّخْص أَو النَّوْع أَو السياسة

أما المشروب فَإِنَّهُ يهجر شربه تلهيا

<<  <   >  >>