فتعلم مِنْهُ رجلَانِ أَحدهمَا إِبْرَاهِيم الْمروزِي وَالْآخر يوحنا بن حيلان
وَتعلم من الْحَرَّانِي إِسْرَائِيل الأسقف وقويري وَسَار إِلَى بَغْدَاد فتشاغل إِبْرَاهِيم بِالدّينِ وَأخذ قويري فِي التَّعْلِيم وَأما يوحنا بن حيلان فَإِنَّهُ تشاغل أَيْضا بِدِينِهِ وَانْحَدَرَ إِبْرَاهِيم الْمروزِي إِلَى بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا
وَتعلم من الْمروزِي مَتى ابْن يونان وَكَانَ الَّذِي يتَعَلَّم فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَى آخر الأشكال الوجودية
وَقَالَ أَبُو نصر الفارابي عَن نَفسه أَنه تعلم من يوحنا بن حيلان إِلَى آخر كتاب الْبُرْهَان
وَكَانَ يُسمى مَا بعد الأشكال الوجودية الْجُزْء الَّذِي لَا يقْرَأ إِلَى أَن قرئَ ذَلِك وَصَارَ الرَّسْم بعد ذَلِك حَيْثُ صَار الْأَمر إِلَى معلمي الْمُسلمين أَن يقْرَأ من الأشكال الوجودية إِلَى حَيْثُ قدر الْإِنْسَان أَن يقْرَأ
فَقَالَ أَبُو نصر أَنه قَرَأَ إِلَى آخر كتاب الْبُرْهَان
وحَدثني عمي رشيد الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن خَليفَة رَحمَه الله أَن الفارابي توفّي عِنْد سيف الدولة بن حمدَان فِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَانَ أَخذ الصِّنَاعَة عَن يوحنا بن حيلان بِبَغْدَاد فِي أَيَّام المقتدر وَكَانَ فِي زَمَانه أَبُو المبشر مَتى بن يونان وَكَانَ أسن من أبي نصر وَأَبُو نصر أحد ذهنا وأعذب كلَاما
وَتعلم أَبُو المبشر مَتى من إِبْرَاهِيم الْمروزِي وَتُوفِّي أَبُو المبشر فِي خلَافَة الراضي فِيمَا بَين سنة ثَلَاث وَعشْرين إِلَى سنة تسع وَعشْرين وثلثمائة
وَكَانَ يوحنا بن حيلان وَإِبْرَاهِيم الْمروزِي قد تعلما جَمِيعًا من رجل من أهل مرو
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن بهْرَام السجسْتانِي فِي تعاليقه أَن يحيى بن عدي أخبرهُ أَن مَتى قَرَأَ ايساغوجي على إِنْسَان نَصْرَانِيّ وَقَرَأَ قاطيغورياس بارمينياس على إِنْسَان يُسمى روبيل وَقَرَأَ كتاب الْقيَاس على أبي يحيى الْمروزِي
وَقَالَ القَاضِي صاعد بن أَحْمد بن صاعد فِي كتاب التَّعْرِيف بطبقات الْأُمَم أَن الفارابي أَخذ صناعَة الْمنطق عَن يوحنا بن حيلان المتوفي بِمَدِينَة السَّلَام فِي أَيَّام المقتدر فبذ جَمِيع أهل الْإِسْلَام فِيهَا وأربى عَلَيْهِم فِي التحقق بهَا
فشرح غامضها وكشف سرها وَقرب تنَاولهَا وَجمع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهَا فِي كتب صَحِيحَة الْعبارَة لَطِيفَة الْإِشَارَة منبهة على مَا أغفله الْكِنْدِيّ وَغَيره من صناعَة التَّحْلِيل وأنحاء التعاليم
وأوضح القَوْل فِيهَا عَن مواد الْمنطق الْخمس وَأفَاد وُجُوه الِانْتِفَاع بهَا وَعرف طرق اسْتِعْمَالهَا وَكَيف تصرف صُورَة الْقيَاس فِي كل مَادَّة مِنْهَا
فَجَاءَت كتبه فِي ذَلِك الْغَايَة الكافية وَالنِّهَايَة الفاضلة
ثمَّ لَهُ بعد هَذَا كتاب شرِيف فِي إحصاء الْعُلُوم والتعريف بأغراضها لم يسْبق إِلَيْهِ وَلَا ذهب أحد مذْهبه فِيهِ
لَا يَسْتَغْنِي طلاب الْعُلُوم كلهَا عَن الاهتداء بِهِ وَتَقْدِيم النّظر فِيهِ
وَله كتاب فِي أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطوطاليس يشْهد لَهُ بالبراعة فِي صناعَة الفلسفة والتحقق بفنون الْحِكْمَة وَهُوَ أكبر عون على تعلم طَرِيق النّظر وتعرف وَجه الطّلب اطلع فِيهِ على أسرار الْعُلُوم وثمارها علما علما وَبَين كَيفَ التدرح من بَعْضهَا إِلَى بعض شَيْئا شَيْئا
ثمَّ بَدَأَ بفلسفة أفلاطون فَعرف بغرضه مِنْهَا وسمى تآليفه فِيهَا
ثمَّ اتبع ذَلِك بفلسفة أرسطوطاليس فَقدم لَهُ مُقَدّمَة جليلة عرف فِيهَا بتدرجه إِلَى الفلسفة
ثمَّ بَدَأَ بِوَصْف أغراضه فِي تآليفه المنطقية والطبيعية كتابا كتابا حَتَّى انْتهى بِهِ القَوْل فِي النُّسْخَة الْوَاصِلَة إِلَيْنَا إِلَى أول الْعلم الإلهي وَالِاسْتِدْلَال بِالْعلمِ الطبيعي عَلَيْهِ
وَلَا أعلم كتابا أجدى على طَالب الفلسفة مِنْهُ فَإِنَّهُ يعرف