ينْطق وَلَا يسمع وَلَا يحس بِشَيْء من الْآلَات
وحض النَّاس على الْبر وَفعل الْخيرَات
وَأمرهمْ بِالْمَعْرُوفِ ونهاهم عَن الْفَوَاحِش والمنكرات فِي ثقته من أهل زَمَانه وَلم يقْصد استكمال صَوَاب التدابير لعلمه بِأَنَّهُم لَا يقبلُونَ ذَلِك منَّة
فَلَمَّا علم الرؤساء فِي وقته من الكهنة والأراكنة مَا رامه من دَعوته وَأَن رَأْيه نفي الْأَصْنَام ورد النَّاس عَن عبادتها شهدُوا عَلَيْهِ بِوُجُوب الْقَتْل
وَكَانَ الموجبون عَلَيْهِ الْقَتْل قُضَاة أثينس الْأَحَد عشر
وَسقي السم الَّذِي يُقَال لَهُ قونيون لِأَن الْملك لما أوجب الْقُضَاة عَلَيْهِ الْقَتْل سَاءَهُ ذَلِك وَلم يُمكنهُ مخالفتهم فَقَالَ لَهُ اختر أَي قتلة شِئْت فَقَالَ لَهُ بالسم فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك
وَالَّذِي أخر قتل سقراط شهورا بَعْدَمَا أوجبوه عَلَيْهِ مِنْهُ أَن الْمركب الَّذِي كَانَ يبْعَث بِهِ فِي كل سنة إِلَى هيكل أفولون وَيحمل إِلَيْهِ مَا يحمل عرض لَهُ حبس شَدِيد لتعذر الرِّيَاح فَأَبْطَأَ شهورا
وَكَانَ من عَادَتهم أَن لَا يراق دم وَلَا غَيره حَتَّى يرجع الْمركب من الهيكل إِلَى أثينس
وَكَانَ أَصْحَابه يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ فِي الْحَبْس طول تِلْكَ الْمدَّة فَدَخَلُوا إِلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ أقريطون مِنْهُم أَن الْمركب دَاخل غَدا أَو بعد غَد وَقد اجتهدنا فِي أَن ندفع عَنْك مَالا إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَتخرج سرا فنصير إِلَى رُومِية فتقيم بهَا حَيْثُ لَا سَبِيل لَهُم عَلَيْك فَقَالَ لَهُ قد تعلم أَنه لَا يبلغ ملكي أَرْبَعمِائَة دِرْهَم
فَقَالَ لَهُ أقريطون لم أقل لَك هَذَا القَوْل على أَنَّك تغرم شَيْئا لأَنا نعلم أَنه لَيْسَ فِي وسعك مَا سَأَلَ الْقَوْم وَلَكِن فِي أَمْوَالنَا سَعَة لذَلِك وأضعافه وأنفسنا طيبَة بِأَدَائِهِ لنجاتك وَأَن لَا نفجع بك
قَالَ لَهُ سقراط يَا أقريطون هَذَا الْبَلَد الَّذِي فعل بِي مَا فعل هُوَ بلدي وبلد جنسي وَقد نالني فِيهِ من حبسي مَا رَأَيْت وَأوجب عَليّ فِيهِ الْقَتْل
وَلم يُوجب ذَلِك عَليّ لأمر استحققته بل لمخالفتي الْجور وطعني على الْأَفْعَال الجائرة وَأَهْلهَا من كفرهم بالباري سُبْحَانَهُ وعبادتهم الْأَوْثَان من دونه
وَالْحَال الَّتِي أوجب عَليّ بهَا عِنْدهم الْقَتْل هِيَ معي حَيْثُ تَوَجَّهت
وَإِنِّي لَا أدع نصْرَة الْحق والطعن على الْبَاطِل والمبطلين حَيْثُ كنت
وَأهل رُومِية أبعد مني رحما من أهل مدينتي
فَهَذَا الْأَمر إِذا كَانَ باعثه عَليّ الْحق ونصرة الْحق حَيْثُ تَوَجَّهت فَغير مَأْمُون عَليّ هُنَاكَ مثل الَّذِي أَنا فِيهِ
قَالَ لَهُ أقريطون فَتذكر ولدك وَعِيَالك وَمَا تخلف عَلَيْهِم من الضَّيْعَة
فَقَالَ لَهُ الَّذِي يلحقهم برومية مثل ذَلِك إِلَّا أَنكُمْ هَهُنَا فهم أَحْرَى أَن لَا يضيعوا مَعكُمْ
وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّالِث بكر تلاميذه إِلَيْهِ على الْعَادة وَجَاء قيم السجْن فَفتح الْبَاب وَجَاء الْقُضَاة الْأَحَد عشر فَدَخَلُوا إِلَيْهِ وَأَقَامُوا مَلِيًّا
ثمَّ خَرجُوا من عِنْده وَقد أزالوا الْحَدِيد عَن رجلَيْهِ
وَخرج