فِي أَوْقَات وَبَينهمَا صداقة وَكَانَ الشَّيْخ فَخر الدّين يَقُول لنا مَا أذكى هَذَا الشَّاب وأفصحه وَلم أجد أحدا مثله فِي زماني إِلَّا أَنِّي أخْشَى عَلَيْهِ لِكَثْرَة تهوره واستهتاره وَقلة تحفظه أَن يكون ذَلِك سَببا لتلافه
قَالَ فَلَمَّا فارقنا شهَاب الدّين السهروردي من الشرق وَتوجه إِلَى الشَّام أَتَى إِلَى حلب وناظر بهَا الْفُقَهَاء وَلم يجاره أحد فَكثر تشنيعهم عَلَيْهِ فَاسْتَحْضرهُ السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر غَازِي ابْن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب واستحضر الأكابر من المدرسين وَالْفُقَهَاء والمتكلمين ليسمع مَا يجْرِي بَينهم وَبَينه من المباحث وَالْكَلَام
فَتكلم مَعَهم بِكَلَام كثير بَان لَهُ فضل عَظِيم وَعلم باهر وَحسن موقعه عِنْد الْملك الظَّاهِر وقربه وَصَارَ مكينا عِنْده مُخْتَصًّا بِهِ فازداد تشنيع أُولَئِكَ عَلَيْهِ وَعمِلُوا محاضرة
بِكُفْرِهِ وسيروها إِلَى دمشق إِلَى الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين
وَقَالُوا إِن بَقِي هَذَا فَإِنَّهُ يفْسد اعْتِقَاد الْملك الظَّاهِر وَكَذَلِكَ إِن أطلق فَإِنَّهُ يفْسد أَي نَاحيَة كَانَ بهَا من الْبِلَاد
وَزَادُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء كَثِيرَة من ذَلِك فَبعث صَلَاح الدّين إِلَى وَلَده الْملك الظَّاهِر بحلب كتابا فِي حَقه بِخَط القَاضِي الْفَاضِل وَهُوَ يَقُول فِيهِ إِن هَذَا الشهَاب السهروردي لَا بُد من قَتله وَلَا سَبِيل أَنه يُطلق وَلَا يبْقى بِوَجْه من الْوُجُوه
وَلما بلغ شهَاب الدّين السهروردي ذَلِك وأيقن أَنه يقتل وَلَيْسَ جِهَة إِلَى الإفراج عَنهُ اخْتَار أَن يتْرك فِي مَكَان مُفْرد وَيمْنَع من الطَّعَام وَالشرَاب إِلَى أَن يلقى الله تَعَالَى فَفعل بِهِ ذَلِك
وَكَانَ فِي أَوَاخِر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بقلعة حلب وَكَانَ عمره نَحْو سِتّ وَثَلَاثِينَ سنة
قَالَ الشَّيْخ سديد الدّين مَحْمُود بن عمر وَلما بلغ شَيخنَا فَخر الدّين المارديني قَتله قَالَ لنا أَلَيْسَ كنت قلت لكم عَنهُ هَذَا من قبل وَكنت أخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ
أَقُول ويحكى عَن شهَاب الدّين السهروردي أَنه كَانَ يعرف علم السيمياء وَله نَوَادِر شوهدت عَنهُ من هَذَا الْفَنّ وَمن ذَلِك حَدثنِي الْحَكِيم إِبْرَاهِيم بن أبي الْفضل بن صَدَقَة أَنه اجْتمع بِهِ وَشَاهد مِنْهُ ظَاهر بَاب الْفرج وهم يتمشون إِلَى نَاحيَة الميدان الْكَبِير وَمَعَهُ جمَاعَة من التلاميذ وَغَيرهم وَجرى ذكر هَذَا الْفَنّ وبدائعه وَمَا يعرف مِنْهُ وَهُوَ يسمع
فَمشى قَلِيلا وَقَالَ مَا أحسن دمشق وَهَذِه الْمَوَاضِع
قَالَ فَنَظَرْنَا وَإِذا من نَاحيَة الشرق جواسق عالية متدانية بَعْضهَا إِلَى بعض مبيضة وَهِي من أحسن مَا يكون بناية وزخرفة وَبهَا طاقات كبار فِيهَا نسَاء مَا يكون أحسن مِنْهُنَّ قطّ وأصوات مغان وأشجار مُتَعَلقَة بَعْضهَا مَعَ بعض وأنهر جَارِيَة كبار وَلم نَكُنْ نَعْرِف ذَلِك من قبل فبقينا نتعجب من ذَلِك وتستحسنه الْجَمَاعَة وانذهلوا لما رَأَوْا
قَالَ الْحَكِيم فبقينا كَذَلِك سَاعَة ثمَّ غَابَ عَنَّا وعدنا إِلَى رُؤْيَة مَا كُنَّا نعرفه من طول الزَّمَان
قَالَ لي إِلَّا أَن عِنْد رُؤْيَة تِلْكَ الْحَالة الأولى العجيبة بقيت أحس فِي نَفسِي كأنني فِي سنة خُفْيَة وَلم يكن إدراكي كالحالة الَّتِي أتحققها مني
وحَدثني بعض فُقَهَاء الْعَجم قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ شهَاب الدّين عِنْد الغابون وَنحن مسافرون عَن دمشق فلقينا قطيع غنم مَعَ تركماني فَقُلْنَا للشَّيْخ يَا مَوْلَانَا نُرِيد من هَذَا الْغنم رَأْسا نأكله فَقَالَ معي عشرَة دَرَاهِم خذوها واشتروا بهَا رَأس غنم
وَكَانَ ثمَّ تركماني فاشترينا مِنْهُ رَأْسا بهَا فمشينا