للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فلحقنا رَفِيق لَهُ وَقَالَ ردوا الرَّأْس وخذوا أَصْغَر مِنْهُ فَإِن هَذَا مَا عرف يبيعكم يسوى هَذَا الرَّأْس الْبُخْتِيَّة الَّذِي مَعكُمْ أَكثر من الَّذِي قبض مِنْكُم

وتقاولنا نَحن وإياه وَلما عرف الشَّيْخ ذَلِك قَالَ لنا خُذُوا الرَّأْس وامشوا وَأَنا أَقف مَعَه وأرضيه فتقدمنا وَبَقِي الشَّيْخ يتحدث مَعَه ويمنيه فَلَمَّا أبعدنا قَلِيلا تَركه وتبعنا وَبَقِي التركماني يمشي خَلفه ويصيح بِهِ وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلما لم يكلمهُ لحقه بغيظ وجذب يَده الْيُسْرَى وَقَالَ أَيْن تروح وتخليني وَإِذا بيد الشَّيْخ قد انخلعت من عِنْد كتفه وَبقيت فِي يَد التركماني ودمها يجْرِي

فبهت التركماني وتحير فِي أمره وَرمى الْيَد وَخَافَ

فَرجع الشَّيْخ وَأخذ تِلْكَ الْيَد بِيَدِهِ اليمني ولحقنا

وَبَقِي التركماني رَاجعا وَهُوَ يتلفت إِلَيْنَا حَتَّى غَابَ

وَلما وصل الشَّيْخ إِلَيْنَا رَأينَا فِي يَده الْيُمْنَى منديله لَا غير

وحَدثني صفي الدّين خَلِيل بن أبي فضل الْكَاتِب قَالَ حَدثنَا الشَّيْخ ضِيَاء الدّين بن صقر رَحمَه الله أَن فِي سنة خَمْسمِائَة وَتِسْعَة وَسبعين قدم إِلَى حلب الشَّيْخ شهَاب الدّين عمر السهروردي وَنزل فِي مدرسة الجلاوية وَكَانَ مدرسها يَوْمئِذٍ الشريف رَئِيس الْحَنَفِيَّة افتخار الدّين رَحمَه الله

فَلَمَّا حضر شهَاب الدّين الدَّرْس وَبحث مَعَ الْفُقَهَاء وَكَانَ لابس دلق وَهُوَ مُجَرّد بإبريق وعكاز وَمَا كَانَ أحد يعرفهُ

فَلَمَّا بحث وتميز بَين الْفُقَهَاء وَعلم افتخار الدّين أَنه فَاضل أخرج لَهُ ثوبا عتابيا وغلالة ولباسا وبقيارا وَقَالَ لوَلَده تروح إِلَى هَذَا الْفَقِير وَتقول لَهُ وَالِدي يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك أَنْت رجل فَقِيه وتحضر الدَّرْس بَين الْفُقَهَاء وَقد سير لَك شَيْئا تكون تلبسه إِذا حضرت

فَلَمَّا وصل وَلَده إِلَى الشَّيْخ شهَاب الدّين وَقَالَ لَهُ مَا أوصاه سكت سَاعَة وَقَالَ يَا وَلَدي حط هَذَا القماش وتفضل اقْضِ لي حَاجَة

وَأخرج لَهُ فص بلخش فِي قدر بَيْضَة الدَّجَاجَة رماني مَا ملك أحد مثله فِي قده ولونه وَقَالَ تروح إِلَى السُّوق تنادي على هَذَا الفص وَمهما جاب لَا تطلق بَيْعه حَتَّى تعرفنِي

فَلَمَّا وصل بِهِ إِلَى السُّوق عِنْد العريف ونادى على الفص فَانْتهى ثمنه إِلَى مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِرْهَم

فَأَخذه العريف وطلع إِلَى الْملك الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين وَهُوَ يَوْمئِذٍ صَاحب حلب وَقَالَ هَذَا الفص قد جاب هَذَا الثّمن فأعجب الْملك الظَّاهِر قده ولونه وَحسنه فَبَلغهُ إِلَى ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم

فَقَالَ العريف حَتَّى أنزل إِلَى ابْن افتخار الدّين وَأَقُول لَهُ

وَأخذ الفص وَنزل إِلَى السُّوق وَأَعْطَاهُ لَهُ وَقَالَ لَهُ رح شاور والدك على هَذَا الثّمن

واعتقد العريف أَن الفص لافتخار الدّين فَلَمَّا جَاءَ إِلَى شهَاب الدّين السهروردي وعرفه بِالَّذِي جاب الفص صَعب عَلَيْهِ وَأخذ الفص وَجعله على حجر وضربه بِحجر آخر حَتَّى فتته وَقَالَ لولد افتخار الدّين خُذ يَا وَلَدي هَذِه الثِّيَاب ورح إِلَى والدك قبل يَده عني وَقل لَهُ لَو أردنَا الملبوس مَا غلبنا عَنهُ

فراح إِلَى افتخار الدّين وعرفه صُورَة مَا جرى فَبَقيَ حائرا فِي قَضيته

وَأما الْملك الظَّاهِر فَإِنَّهُ طلب العريف وَقَالَ أُرِيد الفص

فَقَالَ يَا مَوْلَانَا أَخذه صَاحبه ابْن الشريف افتخار الدّين مدرس الجلوية

فَركب السُّلْطَان وَنزل إِلَى الْمدرسَة وَقعد فِي الإيوان

<<  <   >  >>