وَطلب افتخار الدّين إِلَيْهِ وَقَالَ أُرِيد الفص
فَعرفهُ أَنه لشخص فَقير نَازل عِنْده
قَالَ فأفكر السُّلْطَان ثمَّ قَالَ يَا افتخار الدّين إِن صدق حدسي فَهَذَا شهَاب الدّين السهروردي
ثمَّ قَامَ السُّلْطَان وَاجْتمعَ بشهاب الدّين وَأَخذه مَعَه إِلَى القلعة وَصَارَ لَهُ شَأْن عَظِيم
وَبحث مَعَ الْفُقَهَاء فِي سَائِر الْمذَاهب وعجزهم واستطال على أهل حلب وَصَارَ يكلمهم كَلَام من هُوَ أَعلَى قدرا مِنْهُم فتعصبوا عَلَيْهِ وأفتوا فِي دَمه حَتَّى قتل وَقيل ان الْملك الظَّاهِر سير اليه من خنقه قَالَ ثمَّ ان الْملك الظَّاهِر بعد مُدَّة نقم على الَّذين افتوا فِي دَمه وَقبض على جمَاعَة مِنْهُم واعتقلهم وأهانهم وَأخذ مِنْهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة
حَدثنِي سديد الدّين مَحْمُود بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن رقيقَة قَالَ كَانَ الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي رث البزة لَا يلْتَفت إِلَى مَا يلْبسهُ وَلَا لَهُ احتفال بِأُمُور الدُّنْيَا
قَالَ وَكنت أَنا وإياه نتمشى فِي جَامع ميافارقين وَهُوَ لابس جُبَّة قَصِيرَة مضربة زرقاء وعَلى رَأسه فوطة مفتولة وَفِي رجلَيْهِ زربول ورآني صديق لي فَأتى إِلَى جَانِبي وَقَالَ مَا جِئْت تماشي إِلَّا هَذَا الخربند فَقلت لَهُ اسْكُتْ هَذَا سيد الْوَقْت شهَاب الدّين السهروردي
فتعاظم قولي وتعجب وَمضى وحَدثني بعض أهل حلب قَالَ لما توفّي شهَاب الدّين رَحمَه الله وَدفن بِظَاهِر مَدِينَة حلب وجد مكتوباعلى قَبره وَالشعر قديم
(قد كَانَ صَاحب هَذَا الْقَبْر جَوْهَرَة ... مكنونة قد براها الله من شرف)
(فَلم تكن تعرف الْأَيَّام قِيمَته ... فَردهَا غيرَة مِنْهُ إِلَى الصدف) الْبَسِيط
وَمن كَلَامه قَالَ فِي دعاءاللهم يَا قيام الْوُجُود وفائض الْجُود ومنزل البركات ومنتهى الرغبات منور النُّور ومدبر الْأُمُور وواهب حَيَاة الْعَالمين أمددنا بنورك ووفقنا لمرضاتك وألهمنا رشدك وَطَهِّرْنَا من رِجْس الظُّلُمَات وخلصنا من غسق الطبيعة إِلَى مُشَاهدَة أنوارك ومعاينة أضوائك ومجاورة مقربيك وموافقة سكان ملكوتك
واحشرنا مَعَ الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم من الْمَلَائِكَة وَالصديقين والأنبياء وَالْمُرْسلِينَ
وَمن شعر شهَاب الدّين السهروردي
(أبدا تحن إِلَيْكُم الْأَرْوَاح ... ووصالكم ريحانها والراح)
(وَقُلُوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وَإِلَى لذيذ وصالكم ترتاح)
(وارحمتا للعاشقين تكلفوا ... ستر الْمحبَّة والهوى فضاح)
(بالسر إِن باحوا تُبَاح دِمَاؤُهُمْ ... وَكَذَا دِمَاء البائحين تُبَاح)
(وَإِذا هم كتموا تحدث عَنْهُم ... عِنْد الوشاة المدمع السحاح)
(وبدت شَوَاهِد للسقام عَلَيْهِم ... فِيهَا لمشكل أَمرهم إِيضَاح)