وكاشفته فَلم أَجِدهُ كَمَا كَانَ فِي نَفسِي فسَاء بِهِ ظَنِّي وبطريقه ثمَّ باحثته فِي الْعُلُوم فَوجدت عِنْده مِنْهَا أطرافا نزرة فَقلت لَهُ يَوْمًا لَو صرفت زَمَانك الَّذِي ضيعته فِي طلب الصَّنْعَة إِلَى بعض الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة أَو الْعَقْلِيَّة كنت الْيَوْم فريد عصرك مخدوما طول عمرك
وَهَذَا هُوَ الكيمياء لَا مَا تطلبه
ثمَّ اعْتبرت بِحَالهِ وانزجرت بِسوء مَاله والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ
فأقلعت وَلَكِن لَا كل الإقلاع
ثمَّ إِنَّه توجه إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكا يشكو إِلَيْهِ الدولعي وَعَاد مَرِيضا وَحمل إِلَى البيمارستان فَمَاتَ بِهِ
وَأخذ كتبه الْمُعْتَمد شحنة دمشق وَكَانَ متيما بالصنعة
ثمَّ إِنِّي تَوَجَّهت إِلَى زِيَارَة الْقُدس ثمَّ إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكة فاجتمعت ببهاء الدّين بن شَدَّاد قَاضِي الْعَسْكَر يَوْمئِذٍ وَكَانَ قد اتَّصل بِهِ شهرتي بالموصل فانبسط إِلَيّ وَأَقْبل عَليّ
وَقَالَ نَجْتَمِع بعماد الدّين الْكَاتِب فقمنا إِلَيْهِ وخيمته إِلَى خيمة بهاء الدّين فَوَجَدته يكْتب كتابا إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بقلم الثُّلُث من غير مسودة
وَقَالَ هَذَا كتاب إِلَى بلدكم وذاكرني فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَقَالَ قومُوا بِنَا إِلَى القَاضِي الْفَاضِل فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَرَأَيْت شَيخا ضئيلا كُله رَأس وقلب وَهُوَ يكْتب ويملي على اثْنَيْنِ وَوَجهه وشفتاه تلعب ألوان الحركات لقُوَّة حرصه فِي إِخْرَاج الْكَلَام وَكَأَنَّهُ يكْتب بجملة أَعْضَائِهِ
وسألني القَاضِي الْفَاضِل عَن قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُم خزنتها} أَيْن جَوَاب إِذا
وَأَيْنَ جَوَاب لَو فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} وَعَن مسَائِل كَثِيرَة وَمَعَ هَذَا فَلَا يقطع الْكِتَابَة والإملاء
وَقَالَ لي ترجع إِلَى دمشق وتجري عَلَيْك الجرايات فَقلت أُرِيد مصر فَقَالَ السُّلْطَان مَشْغُول الْقلب بِأخذ الفرنج عكا وَقتل الْمُسلمين بهَا فَقلت لَا بُد لي من مصر فَكتب لي ورقة صَغِيرَة إِلَى وَكيله بهَا
فَلَمَّا دخلت الْقَاهِرَة جَاءَنِي وَكيله وَهُوَ ابْن سناء الْملك وَكَانَ شَيخا جليل الْقدر نَافِذ الْأَمر فأنزلني دَارا قد أزيحت عللها وَجَاءَنِي بِدَنَانِير وغلة
ثمَّ مضى إِلَى أَرْبَاب الدولة وَقَالَ هَذَا ضيف القَاضِي الْفَاضِل فَدرت الْهَدَايَا والصلات من كل جَانب
وَكَانَ كل عشرَة أَيَّام أَو نَحْوهَا تصل تذكرة القَاضِي الْفَاضِل إِلَى ديوَان مصر بمهمات الدولة وفيهَا فصل يُؤَكد الْوَصِيَّة فِي حَقي
وأقمت بِمَسْجِد الْحَاجِب لُؤْلُؤ رَحمَه الله أَقْْرِئ وَكَانَ قصدي فِي مصر ثَلَاثَة أنفس ياسين السيميائي والرئيس مُوسَى بن مَيْمُون الْيَهُودِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الشارعي وَكلهمْ جاؤوني
أما ياسين فَوَجَدته محاليا كذابا مشعبذا يشْهد للشاقاني بالكيمياء وَيشْهد لَهُ الشاقاني بالكيمياء وَيَقُول عَنهُ أَنه يعْمل أعمالا يعجز مُوسَى ابْن عمرَان عَنْهَا
وَأَنه يحضر الذَّهَب الْمَضْرُوب مَتى شَاءَ وَبِأَيِّ مِقْدَار شَاءَ وَبِأَيِّ سكَّة شَاءَ
وَأَنه يَجْعَل مَاء النّيل خيمة وَيجْلس فِيهِ وَأَصْحَابه تحتهَا
وَكَانَ ضَعِيف الْحَال
وَجَاءَنِي مُوسَى فَوَجَدته فَاضلا فِي الْغَايَة قد غلب عَلَيْهِ حب الرياسة وخدمة أَرْبَاب الدُّنْيَا وَعمل كتابا فِي الطِّبّ جمعه من السِّتَّة عشر لِجَالِينُوسَ وَمن خَمْسَة كتب أُخْرَى وَشرط أَن لَا يُغير فِيهِ حرفا إِلَّا أَن يكون وَاو عطف أَو فَاء وصل وَإِنَّمَا ينْقل فصولا لَا يختارها
وَعمل كتابا للْيَهُود سَمَّاهُ الدّلَالَة وَلعن من يَكْتُبهُ بِغَيْر الْقَلَم العبراني
ووقفت عَلَيْهِ فَوَجَدته كتاب سوء يفْسد أصُول الشَّرَائِع والعقائد بِمَا يظنّ أَنه يصلحها