فيروى عن عمران بن حطان أنه قال: قال لي حبيبة: لما عزمت على الخروج فكرت في بناتي، فقلت ذات ليلة: لأمسكن عن تفقدهن حتى أنظر، فلما كان في جوف الليل استسقت بنية لي، فقالت: يا أبت اسقني، فلما أجبها، فأعادت، فقامت أخية لها أسن منها، فسقتها. فعلمت أن الله عز وجل غير مضيعهن، فأتممت عزمي.
وكان في القوم كهمس، وكان من أبر الناس بأمه، فقال لها: يا أمه! لولا مكانك لخرجت، فقالت: يا بني، قد وهبتك لله، ففي ذلك يقول عيسى بن فاتك الحبطي:
ألا في الله لا في الناس شالت ... بداود وإخوته الجذوع
مضوا قتلاً وتمزيقاً وصلباً ... تحوم عليهم طير وقوع
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
وقال عمران بن حطان:
يا عين بكي لمرداس ومصرعه ... يا رب مرداس اجعلني كمرداس
تركتني هائماً أبكي لمرزئتي ... في منزل موحش من بعد إيناس
أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس
إما شربت بكأس دار أولها ... على القرون فذاقوا جرعة الكاس
فكل من لم يذقها شارب عجلاً ... منها بأنفاس ورد بعد أنفاس