للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شفاعة]

وحدثت أن مدنياً كان يصلي منذ طلعتِ الشمسُ إلى أن قارب النهار أن ينتصف، ومن ورائه رجلٌ يتغنى، وهما في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا رجلٌ من الشرط قد قبض على المغني، فقال: أترفعُ عقيرتك بالغناء في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? فأخذه، فانفتل المدني من صلاتهِ، فلم يزل يطلبُ إليه فيه حتى استنقذه، ثم أقبل عليه فقال: أتدري لم شفعت فيك? فقال: لا والله، ولكن إخالك رحمتني؛ قال: إذاً فلا رحمني الله! قال: فأحسبك عرفتَ قرابةٌ بيننا? قال: إذاً فقطعها الله! قال: فليدٍ تقدمت مني إليك? قال: لا والله، ولا عرفتك قبلها، قال: فخبرني، قال: لأني سمعتك غنيت آنفاً، فأقمت واوات معبدٍ، أما والله لو أسأت التأدية لكنتُ أحدَ الأعوان عليك! والصوت الذي ينسب إلى واوات معبدٍ شعرُ الأعشى الذي يعاتب فيه يزيد بن مسهرٍ الشيباني، وهو قوله:

هريرةَ ودعها وإن لام لائمُ ... غداة غدٍ أم أنت للبينِ واجمُ

لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويتهُ ... تقضى لباناتٌ ويسأم سائمُ

قوله: "هريرةَ ودعها وإن لامَ لائمُ" منصوب بفعل مضمر، تفسيره ودعها كانه قال: ودع هريرة، فلما اختزل الفعل أظهر ما يدل عليه، وكان ذلك أجود من ألا يضمرَ، لأن الأمر لا يكون إلا بفعل، فأضمر الفعل إذ كان الأمر أحق به، وكذلك زيداً اضربه وزيداً فأكرمه وإن لمتضمر ورفعت جاز، وليس في حسن الأولِ، ترفعه على الابتداءِ وتصيرُ الأمر في موضع خبره. فأما قول الله جل وعزَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ١ وكذلك: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ٢ فليس على هذا، والرفعُ الوجه، لأنمعناهُ الجزاءُ، كقوله: الزانيةُ أي التي تزني، فإما وجب القطع للسرق والجلد للزنا، فهذا مجازاة، ومن ثم جاز: الذي يأتيني فله درهمٌ، فدخلت الفاءُ لأنه استحق الدرهم بالإتيان، فإن لم ترد هذا المعنى قلت الذي يأتيني له درهمٌ، ولا يجوزُ:


١ سورة المائدة ٣٨.
٢ سورة النور ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>