للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحوص ومعبد عند عقيلة المغنية]

وقال الأحوص يوماً لمعبدٍ: امض بنا إلى عقيلةَ حتى نتحدثَ إليها، ونسمع من غنائها وغناء جواريها. فمضيا، فألفيا على بابها معاذاً الأنصاري، ثم الرزرقي، وابن صائدٍ النجاري، فاستأذنوا عليها جميعاً؛ فأذنت لهم إلا الأحوص، فإنها قالت: نحن غضابٌ على الأحوص، فانصرف الأحوص وهو يلومُ أصحابه على استبدادهم، فقال:

ضنت عقيلةُ لما جئتُ بالزادِ ... وآثرت حاجةَ الثاوي على الغادي

فقلت: والله لولا أن تقول له ... قد باح بالسرِّ أعدائي وحسادي

قلنا لمنزلها: حييتَ من طللٍ ... وللعقيق: ألا حييت َمن وادي!

إني جعلتُ نصيبي من مودتها ... لمعبدٍ ومعاذٍ وابن صيادِ

لابن اللعين الذي يخبا الدخانُ له ... وللمغني رسولِ الزور قوادي

أما معاذٌ فإني لست ذاكرهُ ... كذا أجدادهُ كانوا الأجدادي

قال الزبيري: وكان معاذٌ جلداً، فخاف الأحوص أن يضربه، فحلف معبدٌ ألا يكلم الأحوص ولا يتغنى في شعره، فشق ذلك على الأحوص، فلما طالت هجرته إياه رحل نجيباً له وجعل طلاء١ في مذرعٍ٢ في حقيبة رحلهِ، وأعد دنانير، ومضى نحو معبد فاناخ ببابه - ومعبد جالسٌ بفنائه - فنزل إليه الأحوص فكلمه، فلم يكلمه معبدٌ، فقال: يا أبا عبادٍ، أتهجرني! فخرجت إليه امرأته أم كردم، فقالت: أتهجر أبا محمدٍ! واللهِ لتكلمنه، قال: فاحتمله الأحوص فأخله البيت، وقال: والله لا رمت هذا البيت حتى آكل الشواء وأشربَ الطلاءَ وأسمعوا


١ الطلاء: اسم لما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه.
٢ حاشية ر: "والمذرع: فزق سلخ حين سلخ مما يلي الذراع".

<<  <  ج: ص:  >  >>