للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقف عين أبي نيزر]

حدثنا أبو ملحم محمد بن هشام في إسناد ذكره أخوه أبو نيزر، وكان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم، قال: وصح عندي بعد أنه من ولد النجاشي - ١يعني أبا نيزر - فرغب في الإسلام صغيراً، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم. وكان معه في بيوته، فلما توفي رسول الله صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام. قال أبو نيزر: جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين: عين أبي نيزر والبغيبغة٢، فقال لي: هل عندك طعام? فقلت: طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين، قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة٣، فقال: علي به، فقام إلى الربيع وهو جدول فغسل يده، ثم أصاب من ذلك شيئاً، ثم رجع إلى الربيع، فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما، ثم ضم يديه، كل واحدة منهما إلى أختها، وشرب بهما حساً٤ من ماء الربيع، ثم قال: يا أبا نيزر، إن الأكف أنظف الآنية. ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه، وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله. ثم أخذ المعول٥ وانحدر في العين، فجعل يضرب، وأبطأ عليه المساء. فخرج وقد تفضج جبينه عرقا٦ً. فانتكف العرق عن جبينه. ثم أخذ المعول وعاد إلى العين، فأقبل يضرب فيها، وجعل يهمهم٧ فانثالث٨ كأنها عنق جزور، فخرج مسرعاً، فقال: أشهد الله أنها صدقة، علي بدواة وصحيفة، قال: فعجلت بهما إليه، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة، على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ليقي الله بها وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعا ولا توهبا حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق٩ لهما، وليس لأحد غيرهما.

قال محمد بن هشام: فركب الحسين رضي الله عنه دين، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى أن يبيع، وقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بها وجهه حر النار، ولست بائعها بشيء.


١ ساقطة من ر.
٢ البغيبغة: عين لآل رسول الله صلى الله علية وسلم غزيرة الماء كثيرة النخل.
٣ الإهالة: ما أذيب من الشحم والسنخة: المتغيرة الريح.
٤ حسا: جمع حسوة, وهي الشربة ملء الفم.
٥ المعول: الفأس العظيمة ينقر بها في الصخور.
٦ تفضج جبينة عرقا: سال.
٧ بهمهم, من الهمهمة, وهي ترديد الصوت في الصدر.
٨ يقال انثال الرمل انثيالا, إذا تبع بعضة بعضا, وهو هنا علي الإستعارة.
٩ طلق: أي حلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>