للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوبة! فإن أنت قلت كما نقول فلك الزلفة عند الله والنصر على أيدينا، ونسأل الله لك التوفيق، وإن "أبيت خذلك الله وانتصر منك بأيدينا"١.

فقال ابن الزبير: إن الله أمر - وله العزة والقدرة - في مخاطبة أكفر الكافرين وأعتى العتاة بأرفه٢ من هذا القول، فقال لموسى ولأخيه - صلى الله عليهما - في فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ٣، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تؤذوا الأحياء بسب الموتى" فنهى عن سب أبي جهل من أجل عكرمة ابنه، وأبو جهل عدو الله وعدو الرسول، والمقيم على الشرك، والجاد في المحاربة، والمتبغض إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الهجرة، والمحارب له بعدها، وكفى بالشرك ذنباً! وقد كان يغنيكم عن هذا القول الذي سميتم فيه طلحة وأبي، أن تقولوا: أتبرأ من الظالمين? فإن كانا منهم، دخلا في غمار٤ الناس، وإن لم يكونا منهم لم تحفظوني٥ بسب أبي وصاحبه، وأنتم تعلمون أن الله جل وعز قال للمؤمن في أبويه: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} ٦, وقال جل ثناؤه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} ٧. وهذا الذي دعوتم إليه أمر له ما بعده، وليس يقنعكم إلا التوقيف والتصريح، ولعمري إن ذلك لأحرى بقطع الحجج، وأوضح لمنهاج الحق، وأولى بأن يعرف كل صاحبه من عدوه، فروحوا إلي من عشيتكم هذه أكشف لكم ما أنا عليه إن شاء الله.

فلما كان العشي راحوا إليه، فخرج إليهم وقد لبس سلاحه، فلما رأى ذلك نجدة قال: هذا خروج منابذ لكم، فجلس على رفع من الأرض، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم ذكر أبا بكر وعمر أحسن ذكر، ثم ذكر عثمان في السنين الأوائل من خلافته، ثم وصلهن بالسنين التي أنكروا سيرتها فيها، فجعلها كالماضية، وخبر أنه آوى الحكم بن أبي العاص بإذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،


١ كذا وردت العبارة في الأصل. س. وفي ر: "وإن ابيت إلا نصر رأيك الأول. وتصويب أبيك وصاحبه. والتحقيق بعثمان, والتولي على الست التي أحلت دمه. ونقضت......وافدت إمامته, خذلك الله وانتصر من بأيدينا".
٢ في ر: "بارأف".
٣ سورة طه ٤٤.
٤ غمار الناس: جماعتهم.
٥ لم تحفظوني: لم تغظبوني.
٦ سورة لقمان ١٥.
٧ سورة البقرة ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>