للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإن عهدي بك وأنت لليتيم كالأب الرحيم، وللضعيف كالأخ البر، لا تأخذك في الله لومة لائم، ولا ترى معونة ظالم، كذلك كنت أنت وأصحابك. أما تذكر قولك: لولا أني أعلم أن للإمام العادل مثل أجر جميع رعيته ما توليت أمر رجلين من المسلمين? فلما شريت نفسك في طاعة ربك ابتغاء رضوانه، وأصبت من الحق فصه، وركبت مره، تجرد لك الشيطان، ولم يكن أحد أثقل عليه وطأة منك ومن أصحابك، فاستمالك واستهواك واستغواك وأغواك، فغويت فأكفرت الذين عذرهم الله في كتابه من قعد المسلمين وضعفتهم، فقال جل ثناؤه، وقوله الحق ووعده الصدق: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} ١. ثم سماهم أحسن الأسماء، فقال: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ٢. ثم استحللت قتل الأطفال، وقد نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتلهم، وقال الله عز ذكره: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ٣, وقال في القعد خيراً، وفضل الله من جاهد عليهم. ولا يدفع منزلة أكثر الناس عملاً منزلة من هو دونه، أو ما سمعت قوله عز وجل: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ٤، فجعلهم الله من المؤمنين، وفضل عليهم المجاهدين بأعمالهم، ورأيت ألا تؤدي الأمانة إلى من خالفك، والله يأمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها، فاتق الله وانظر لنفسك، واتق يوماً: {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} ٥، فإن الله عز ذكره بالمرصاد، وحكمه العدل، وقوله الفصل، والسلام.

فكتب إليه نافع:

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فقد أتاني كتابك تعظني فيه وتذكرني، وتنصح لي وتزجرني، وتصف ما كنت عليه من الحق، وما كنت أوثره من الصواب، وأنا أسأل الله جل وعز أن يجعلني من الذين يستمعون القول


١ سورة التوبه ٩١.
٢ سورة التوبة ٩١.
٣ سورة الأنعام ١٦٤.
٤ سورة النساء ٩٥.
٥ سورة لقمان ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>