للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعزل مصعب بن الزبير وولي حمزة بن عبد الله بن الزبير، فوجه المهلب إليهم، فحاربهم فأخرجهم عن الأهواز، ثم رد مصعب والمهلب بالبصرة، والخوارج بأطراف أصبهان والوالي عليها عتاب بن ورقاء الرياحي، فأقام الخوارج هناك شيئاً يجبون القرى. ثم أقبلوا إلى الأهواز من ناحية فارس، فكتب مصعب إلى عمر بن عبيد الله: ما أنصفتنا، أقمت بفارس تجبي الخراج ومثل هذا العدو يحاربك! والله لو قاتلت ثم هربت لكان أعذر لك، وخرج مصعب من البصرة يريدهم. وأقبل عمر بن عبيد الله يريدهم. فتنحى الخوارج إلى السوس، ثم أتوا المدائن، فقتلوا أحمر طيئ، وكان شجاعاً، وكان من فرسان عبيد الله بن الحر، ففي ذلك يقول الشاعر:

تركتم فتى الفتيان أحمر طيئ ... بساباط لم يعطف عليه خليل

ثم خرجوا عامدين إلى الكوفة، فلما خالطوا سوادها، وواليها الحارث بن عبد الله القباع فتثاقل عن الخروج وكان جباناً. فذمره١ إبراهيم بن الأشتر، ولامه الناس، فخرج متحاملاً حتى أتى النخيلة، ففي ذلك يقول الشاعر:

إن القباع سار سيرا نكرا ... يسير يوماً ويقيم شهرا

وجعل يعد الناس بالخروج ولا يخرج. والخوارج يفشون٢، حتى أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها. وكانت جميلة، ثما أرادوا قتلها، فقالت: أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين! فقال قائل منهم: دعوها. فقالوا: قد فتنتك، ثم قدموها فقتلوها، ثم قربوا أخرى، وهم بحذاء القباع والجسر معقود بينهما، فقطعه القباع، وهو في ستة آلاف، والمرأة تستغيث به وهي تقول٣: علام تقتلونني? فوالله ما فسقت ولا كفرت ولا ارتددت! والناس يتفلتون إلى الخوارج، والقباع يمنعهم، فلما خاف أن يعصوه أمر عند ذلك بقطع الجسر، فأقام بين دباها ودبيرى٤ خمسة أيام، والخوارج بقربه، وهو يقول للناس في كل يوم: إذا لقيتم العدو غداً فأثبتوا أقدامكم واصبروا، فإن أول الحرب الترامي، ثم إشراع الرماح،


١ الذمر: الحض.
٢ ر: "يعيثون".س: يعبثون.
٣ ر: "وتقول".
٤ دباها ودبيري: قربتان من قرى بغداد.

<<  <  ج: ص:  >  >>