للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراراً فانتصفتم منهم، وما بقي مع هذا الحصار إلا أن تفنى ذخائركم فيموت أحدكم فيدفنه أخوه، ثم يموت أخوه فلا يجد من يدفنه، فقاتلوا القوم وبكم قوة، من قبل أن يضعف أحدكم عن أن يمشي إلى قرنه. فلما أصبح الغد، صلى بهم الصبح، ثم خرج بهم١ إلى الخوارج وهم غارون، وقد نصب لواء لجارية له يقال لها ياسمين، فقال: من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين، ومن أراد الجهاد فليخرج معي. فخرج في ألفين وسبعمائة فارس، فلم يشعر بهم الخوارج حتى غشوهم، فقاتلوا بجد لم ير الخوارج منهم مثله، فعقروا منهم خلقاً كثيراً وقتلوا الزبير بن علي، وانهزمت الخوارج، فلم يتبعهم عتاب. ففي ذلك يقول الشاعر:

ويوم بجي تلافيته ... ولولاك لاصطلم العسكر٢

- قال أبو العباس: نفسر قول: ولولاك في آخر هذا الخبر إن شاء الله - وقال رجل من بني ضبة في تلك الوقعة:

خرجت من المدينة مستميتاً ... ولم أك في كتيبة ياسمينا

أليس من الفضائل أن قومي ... عدوا مستلمين مجاهدينا

وتزعم الرواة أنهم في أيام حصارهم كانوا يتواقفون، ويحمل بعضهم على بعض، وربما كانت مواقفة لغير حرب٣، وربما اشتدت الحرب بينهم. وكان رجل من أصحاب عتاب يقال له شريح، ويكنى أبا هريرة، إذا تحاجز القوم مع المساء نادى بالخوارج وبالزبير بن علي:

يا ابن أبي الماحور والأشرار ... كيف ترون يا كلاب النار!

شد أبي هريرة الهرار ... يهركم بالليل والنهار٤

ألم تروا جياً على المضمار ... تمسي من الرحمن في جوار٥


١ ساقطة من ر.
٢ الصلم في الاصل. قطع الاذن.
٣ ر: "بغير حرب".
٤ أصل الهرير في الكلب والذئب, إذا كشر كل منهما عن نابه, واستعمل في الرجل تجاوزا.
٥ المضمار: الغاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>