وقال الحسن: تلقى أحدهم أبيض بضاً، يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويضرب أصدريه، يقول: هأنذا فاعرفوني. قد عرفناك، فمقتك الله، ومقتك الصالحون.
قوله:"أبيض بضاً" فالبض الرقيق اللون، الذي يؤثر فيه كل شيء.
وفي الحديث أن معاوية قدم على عمر بن الخطاب رحمهما الله١ من الشام وهو أبض الناس، فضرب عمر بيده على عضده، فأقلع عن مثل الشراب، أو مثل الشراك، فقال: هذا والله لتشاغلك بالحمامت، وذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسراتٍ على بابك! وقال حميد بن ثورٍ الهلالي:
منعمةٌ بيضاء لو دب محولٌ ... على جلدها بضت مدارجه دما
وقوله:"يملخ في الباطل ملخاً، يقول: يمر مراً سريعاً، يقال: بكرةٌ ملوخٌ إذا كانت سهلة المر.
وقوله:" يضرب أصدريه وأزدريه"، فإنما يقال ذلك للفارغ، يقال: جاء فلان يضرب أصدريه وأزدريه، ولا يتكلم منه بواحدٍ، ويقال: فلانٌ ينفض مذرويه، وهما ناحيتاه، وإنما يوصف بالخيلاء، قال عنترة:
أحولي تنفض استك مذرويها ... لتقتلني، فهأنذا عمارا
ولا واحد لهما، ولو أفردت لقلت في التثنية مذريان، لأن ذوات الواو إذا وقعت فيهن الواو رابعة رجعت إلى الياء، كما تقول في ملهى: ملهيان، وهو من لهوت، وفي مغزى: مغزيان، وهو من غزوت، وإنما فعلت ذلك لأن فعله ترجع فيه الواو إلى الياء إذا كانت رابعة فصاعداً، نحو غزوت، فإذا أدخلت فيه الألف قلت: أغزيت، وكذلك غازيت واستغزيت، وإنما وجب هذا لانقلابها في المضارع، نحو يغزي، ويستغزي، ويغازي، وإنما انقلبت لانكسار ما قبلها.