للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكتب إليه الحجاج:

أما بعد، فإن الله عز وجل قد فعل المسلمين خيراً، وأراحهم من حد الجهاد، وكنت أعلم بما قبلك، والحمد لله رب العالمين فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسم في المجاهدين فيئهم، ونفل الناس على قدر بلائهم، وفضل من رأيت تفضيله، وإن كانت بقيت من القوم بقية فخلف خيلاً تقوم بإزائهم، واستعمل على كرمان من رأيت، وول الخيل شهماً من ولدك، ولا ترخص لأحد في اللحاق بمنزلة دون أن تقدم بهم علي، وعجل القدوم، إن شاء الله.

فولى المهلب ابنه يزيد كرمان، وقال له: يا بني، إنك اليوم لست كما كنت، إنما لك من مال كرمان ما فضل عن الحجاج، ولن تحتمل إلا على ما احتمل عليه أبوك، فأحسن إلى من معك، وإن أنكرت من إنسان شيئاً فوجهه إلي، وتفضل على ١قومك إن شاء الله ٢.

قال أبو العباس: وقدم المهلب على الحجاج فأجلسه إلى جانبه، وأظهر إكرامه وبره، وقال: يا أهل العراق، أنتم عبيد المهلب، ثم قال: أنت والله كما قال لقيط الإيادي:

وقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا يطعم النوع إلا ريث يبعثه ... هم يكاد حشاه يقصم الضلعا

لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره ... يكون متبعاً طوراً ومتبعا

حتى استمرت على شر مريرته ... مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعا

فقام إليه رجل، فقال: أصلح الله الأمير! والله لكأني أسمع الساعة قطرياً وهو يقول: المهلب كما قال لقيط الإيادي، ثم أنشد هذا الشعر، فسر الحجاج حتى امتلأ سروراً.

قوله: نفل إي أقسم بينهم، والنفل: العطية التي تفضل، كذا كان الأصل، وإنما فضل الله عز وجل بالغنائم على عباده، قال لبيد:


١ ساقطة من ر.

<<  <  ج: ص:  >  >>