وكان الحسن يقول: ليس العجب ممن عطب كيف عطب، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.
وكان الحجاج بن يوسف يقول على المنبر: أيها الناس، اقدعوا هذه الأنفس. فإنما أسأل شيء إذا أعطيت، وأمنع شيء إذا سئلت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وعطفها بزمامها عن معصية الله. فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
قوله:"اقدعوا" يقال قدعته عن كذا: أي منعته عنه، ومنه قول الشماخ:
إذا ما استافهن ضربن منه ... مكان الرمح من أنف القدوع
قوله:" استافهن" يعني حماراً يستاف أتنا، يقول: يرمحنه إذا اشتمهن، والسوف: الشم.
وقوله:
مكان الرمح من أنف القدوع
يريد بالقدوع المقدوع، وهذا من الأضداد، يقال طريق ركوب إذا كان يركب، ورجل ركوب للدواب إذا كان يركبها، ويقال: ناقة رغوث إذا كانت ترضع، وحوار رغوث إذا كانت ترضع، ومثل هذا كثير، يقال: شاة حلوب إذا كانت تحلب، ورجل حلوب إذا كان يحلب الشاة، والقدوع ههنا: البعير الذي يقدع، وهو أن يريد الناقة الكريمة ولايكون كريماً، فيضرب أنفه بالرمح حتى يرجع، يقال: قدعته، وقدعت أنفه، ويروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خطب خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ذكر لورقة بن نوفل فقال: محمد بن عبد الله يخطب خديجة بنت خويلد الفحل لا يقدع أنفه.
وكان الحجاج يقول: إن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيه ربه، أو يستغفر من ذنبه، أو يفكر في معاده، لجدير أن تطول حسرته يوم القيامة.