للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا سوادة يجلو مقلتي لحمٍ ... بازٍ يصرصر فوق المرقب العالي

فارقته حين غض الدهر من بصري ... وحين صرت كعظم الرمة البالي

قوله: "يجلو مقلتي لحم"، شبه مقلتيه بمقلتي البازي، ويقال: "طائر لحم" من هذا. وقوله: "يصرصر" يعني يصوت، يقال: صرصر البازي والصقر، وما كان من سباع الطير، ويقال: صرصر العصفور: وأحسبه مستعاراً. لأن الأصل فيه أن يستعمل في الجوارح من الطير، قال جرير:

بازٍ يصرصر بالسهبى قطاً جونا ١

وقال آخر:

كما صرصر العصفور في الرطب الثعد٢

وأنشدني عمارة: "باز يصعصع" وهو أصح قال أبو الحسن: "يصعصع" وهو الصواب، ولكن هكذا وقع في كتابه. ويصرصر لايتعدى.

قال أبو العباس: وقوله: "كعظم الرمة "فهي البالية الذاهبة، والرميم: مشتق من الرمة، وإنما هو فعيلٌ وفعلةٌ، وليس بجمع له واحد.

ومما كفرت به الفقهاء الحجاج بن يوسف قوله: والناس يطوفون بقبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنبره وإن شئت قلت: "يطيفون"، قال أبو زيد: تقول العرب: طفت وأطفت به، ودرت وأدرت به، ويقال: حدق وأحدق: قال الأخطل:

المنعمون بنو حربٍ وقد حدقت ... بي المنية واستبطأت أنصاري

إنما يطوفون بأعوادٍ ورمةٍ.

ومن أمثال العرب: "لولا أن تضيع الفتيان الذمة، لخبرتها بما تجد الإبل في الرمة" يقول: لولا أن تدع الأحداث التمسك بالوفاء، والرعاية للحرمة لأعلمتها أن الإبل تتناول العظم البالي، وهو أقل الأشياء فتجد له لذة.


١ يصف الإبل وهي تسير في الفلوات والسهبى: موضع في بنى تميم. وقبله:
كأن حاديها لما أضر بها
٢ الثعد: وواحدته ثعدة، وهو ما لان من البسر وأرطب.

<<  <  ج: ص:  >  >>