للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما حاتمٌ الذي ذكره الفرزدق، فهو حاتم بن عبد الله الطائي، جواد العرب، وقد كان الفرزدق صافن رجلاً من بني العنبر بن عمرو بن تميم إدواة١ في وقتٍ، فرامه العنبري وسلمه أن يؤثره وكان الفرزدق جوادا فلم تطب نفسه عن نفسه، فقال الفرزدق:

فلما تصافنا الإداوة أجهشت ... إلي غضون العنبري الجراضم

فجاء بجلمود له مثل رأسه ... ليشرب ماء القوم بين الصرائم

على ساعةٍ لو أن في القوم حاتماً ... على جوده ضنت به نفس حاتم

أما قوله: "أجهشت" فهو التسرع، وما تراه في فحواه من مقاربة الشيء، يقال: أجهش بالبكاء. والغضون: التكسر قي الجلد، والجراضم: الأحمر الممتلئ.

وقوله:

ليشرب ماء القوم بين الصرائم

فهي جمع صريمةٍ، وهي الرملة التي تنقطع من معظم الرمل، وقوله: "صريمة "يريد مصرومة، والصرم: القطع، وأتشد الأصمعي:

فبات يقول أصبح ليل حتى ... تجلى على صريمته الظلام

يعني ثوراً، وصريمته: رملته التي هو فيها. وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} ٢ قولين، قال قوم: كالليل المظلم، وقال قوم: كالنهار المضيء، أي بيضاء لا شيء فيها، فهو من الأضداد. ويقال: لك سواد الأرض وبياضها، أي عامرها وغامرها، فهذا ما يحتج به لأصحاب القول الأخير، ويحتج لأصحاب القول الأول في السواد بقول الله تبارك وتعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} ٣، وإنما سمي السواد سواداً لعمارته، وكل خضرةٍ عند العرب سواد، ويروى:

على ساعةٍ لوأن في القوم حاتماً ... على جوده ما جاد بالماء حاتم

جعل" حاتما" تبيناً للهاء في جوده، وهو الذي يسميه البصريون البدل، أراد: على جود حاتمٍ.


١ الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء، وجمعه أداوى.
٢ سورة القلم ٢٠.
٣ سورة الأعلى ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>