للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مطرف بن عبد الله لابنه: يا عبد الله، العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين وشر السير الحقحقة.

قوله: "الحسنة بين السيئتين"، يقول: الحق بين فعل المقصر والغالي. ومن كلامهم: خير الأمور أوسطها.

قوله: "وشر السير الحقحقة" وهو أن يستفرغ المسافر جهد ظهره فيقطعه، فيهلك ظهره، ولا يبلغ حاجته. يقال: حقحق السير إذا فعل ذلك. وقال الراجز:

وأنبت فعل١ السائر المحقحق

وحدثت أن الحسن نفى سابق الحاج وقد أسرع، فجعل يومىء إليه بإصبعه فعل الغازلة وهو يقول: "خرقاء وجدت صوفاً".

وهذا مثل من أمثال العرب يضربونه للرجل الأحمق الذي يجد مالاً كثيراً فيعيث فيه وشبيه بهذا المثل قوله: "عبد وخلى٢ في يديه".

ويروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهراً أبقى".

قوله: "متين"، المتين الشديد، قال الله عز وجل: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ٣.

وقوله: "فأوغل فيه برفق"، يقول: ادخل فيه، هذا أصل الوغول، ويقال مشتقاً من هذا الرجل الذي يأتي شراب القوم من غير أن يدعى إليه: واغل، ومعناه أنه وغل في القوم وليس منهم، قال امرؤ القيس:

حلت لي الخمر وكنت امرأ ... عن شربها في شغل شاغل

فاليوم أسقى غير مستحقب٤ ... إثماً من الله ولا واغل


١ زيادات ر: "فعل" بالنصب الرواية الصحيحة، لأنه مصدر معنى".
٢ الخلى: الرطب من الحشيش.
٣ سورة الأعراف ١٨٣.
٤ المستحقب: الذي يحمل الشيء في الحقيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>