للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن كلامه المستحسن قوله لجرير:

فهل ضربة الرومي جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أباً مثل دارم

ومن أقبح الضرورة، وأهجن الألفاظ، وأبعد المعاني قوله:

وما مثله في الناس إلا مملكاً ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

مدح بهذا الشعر إبراهيم بن هشام بن اسماعيل بن هشام بن المغيرة بن عبد الله عمر بن عمر بن مخزوم، وهو خال هشام بن عبد الملك، فقال:

وما مثله في الناس إلا مملكاً

يعني بالمملك هشاماً، أبو أم ذلك المملك أبو هذا الممدوح، ولو كان هذا الكلام على وجهه لكان قبيحاً، وكان يكون إذا وضع الكلام في موضعه أن يقول: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أم هذا المملك أبو هذا الممدوح، فدل على أنه خاله بهذا اللفظ البعيد، وهجنه بما أوقع فيه من التقديم والتأخير: حتى كأن هذا الشعر لم يجتمع في صدر رجل واحد مع قوله حيث يقول:

تصرم مني ود بكر بن وائلٍ ... وما كاد مني ودهم يتصرم

قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر ألإناء فيفعم١

وكأنه لم يقع ذلك الكلام لمن يقول:

والشيبينهض في السواد كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار

فهذا أوضح معنى، وأعرب لفظٍ، وأقرب مأخذٍ.

وليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل ما يستحق، ألا ترى كيف يفضل قول عمارة٢ على قرب عهده:

تبحثتم سخطي فغير بحثكم ... نخيلة نفسٍ كان نصحاً ضميرها

ولن يلبث التخشين نفساً كريمة ... عريكتها أن يستمر مريرها٣

وما النفس إلا نطفة بقرارةٍ ... إذا لم تكدر كان صفواً غديرها


١ زيادات ر: "القارصة: الكلمة المؤذية".
٢ هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الخطفى، من شعراء الدولة العباسية، والأبيات في معجم المرزبانى ٢٤٧ عن المبرد.
٣ التخشين: إيعاز الصدر، ويستمر: يقوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>