للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاز أن يخفض بها لوقوعها في معنى"رب" لأنها حرف خفض، وهي أعني الواو تكون بدلاً من الباء في القسم لأن مخرجها في مخرج الباء من الشفة، فإذا قلت: والله لأفعلن، فمعناه: أقسم بالله لأفعلن، فإن حذفتها قلت: الله لأفعلن، لأن الفعل يقع على الاسم فينصبه، والمعنى معنى"الباء" كما قال عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} ١. وصل الفعل فعمل، والمعنى معنى"من" لأنها للتبعيض، فقد صارت"الواو" تعمل بلفظها عمل "الباء"، وتكون في معناها، وتعمل عمل "رب" لاجتماعها في المعنى للاشتراك في المخرج.

وقوله: "رفعت لناري"، من القلوب، إنما أراد رفعت له ناري والكلام إذا لم يدخله لبسٌ جاز القلب للاختصلر، قال الله عز وجل: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} ٢. والعصبة تنوء بالمفاتيح، أي تستقل بها في ثقلٍ، ومن كلام العرب: إن فلانة لتنوء بها عجيزاتها، والمعنى لتنوء بعجيزاتها، وأنشد أبو عبيدة للأخطل:

أما كليب بن يربوع فليس لها ... عند التفاخر إيرادٌ ولا صدر

مخلفون ويقضي الناس أمرهم ... وهم بغيبٍ وفي عمياء ما شعروا

مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوءاتهم هجر

فجعل الفعل للبلدتين على السعة.

ويروى أن يونس بن حبيبٍ قال لأبي الحسن الكسائي: كيف تنشد بيت الفرزدق? فأنشده:

غداة أحلت لابن أصرم طعنةٌ ... حصين عبيطات السدائف والخمر٣

فقال الكسائي لما قال:

"غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف.."

تم الكلام. فحمل الخمر على المعنى، أراد: وحلت له الخمر، فقال له


١ سورة الأعراف ١٥٥.
٢ سورة القصص ٧٦.
٣ هو حصين بن أصرم، من بنى ضبة، وكان نذر ألا يأكل لحما ولا يشرب خمرا حتى يقتل ابن الجون الكندى. والسدائف: جمع سديف وهو السنام، والعبيطات: الطرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>